جريدة الغد، الاثنين 2023/04/17
الآن وقد شكل بيان جدة الذي صدر عقب الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية الأردن ومصر والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي تحولا مهماً بشأن عودة سوريا للحاضنة العربية يوم الجمعة الماضي يجب أن نتذكر جيدا النظرة البعيدة والعميقة لجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين بشأن القضايا القومية، ومن بينها القضية السورية التي أحدثت شرخا عميقا في العلاقات العربية العربية، ونجمت عنها من المآسي ما ظهر منها وما بطن!
لا بد أن نتذكر كيف أن الأردن لم يقبل قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية عام 2011، وأنه لم يقطع علاقاته الدبلوماسية مع دمشق، وأنه حين قرر طرد السفير السوري بسبب مخالفاته للعرف الدبلوماسي شدد على ان ذلك القرار لا يعني قطع العلاقات مع سوريا، وظلت قنوات الاتصال مفتوحة بين البلدين، في وقت تحمل فيه الأردن من تبعات الوضع الأمني على حدوده، ومن أعباء اللجوء السوري ما يفوق طاقته، ولا يفوق نبله وقيمه ومبادئه.
يجب ألا ننسى أن جلالة الملك يقود مبادرة عودة سوريا إلى (الحاضنة العربية) منذ بضع سنوات، وأنه بذل في هذا السبيل جهودا مضنية مع عدد من القادة العرب، وأنه تحدث في هذه المسألة بشكل مباشر مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في واشنطن، وأجرى مباحثات بهذا الشأن مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، سبقتها مباحثات في عمان مع وفد روسي جاء إلى عمان عام 2020 من أجل وضع مجموعة من المبادئ التي تضمن أيجاد حل سياسي للوضع في سوريا، بما يعيد أمنها واستقرارها ويحفظ وحدة أراضيها، ويؤدي إلى جلاء جميع القوات الأجنبية عنها، ويقضي على الإرهاب، ويوفر ظروف العودة الطوعية للنازحين واللاجئين السوريين.
لو أن أحدا يعقد مقارنة بين مضمون بيان جدة، والبيان الصادر عن تلك المباحثات التي عقدت بمقر وزارة الخارجية الأردنية بين نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين السيد أيمن الصفدي، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية ألكساندر لافرينتيف لوجد تطابقا تماما في النصوص والمضامين، وفي ذلك ما يؤكد أن الأردن هو الذي أسس ومهد لهذا التطور الهام بشأن عودة العلاقات بين الدول العربية وسوريا، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية وبداية تعافيها من كل ما أصابها وأصابنا على مدى ما يزيد عن عقد من الزمن!
نريد أن نتذكر، لا أن نتفاخر من هذه الزاوية، لكن من زاوية أخرى ليس هناك ما هو أكثر وضوحا من موقف الأردن تجاه أشقائه العرب، وهو موقف مبني على منظومة من القيم والمبادئ الثابتة في انتمائه القومي، وقائم كذلك على مجموعة العناصر التي جعلت منه بلدا ذا مكانة ودور وقوة في محيطه العربي، وفي التوازنات الإقليمية والدولية على حد سواء.