جريدة الغد، الاثنين 2023/08/07
في الأصل فإن غاية القوانين تنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع، فالقاعدة القانونية هي قاعدة سلوكية واجب اتباعها بما يترتب عليها من أحكام يفرضها القانون من أجل ضمان الواجبات والحقوق التي تنظم شؤون الحياة المختلفة، وتشيع حالة من السلم الاجتماعي من ناحية، وتضبط المعاملات والتصرفات والممارسات الفردية والجماعية من ناحية أخرى.
مجموعة من القوانين، والتعديلات القانونية المعروضة على الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة اثارت جدلا واسع النطاق من وجهات نظر مختلفة ومتعارضة أيضا، وذلك الجدل تحسمه الاجراءات الدستورية لسن القوانين وتصبح نافذة بعد أن توشح بالتوقيع السامي، ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، ذلك أن معرفة الناس بتلك القوانين مسألة في غاية الأهمية، وهنا يأتي السؤال المنطقي على من تقع مسؤولية نشر الثقافة القانونية؟!
في كثير من المجتمعات، تشكل الثقافة القانونية جزءا مهما من مجمل الثقافة التي يمتلكها الفرد لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بتفاصيل حياته اليومية، أما على صعيد المؤسسات العامة والخاصة فإن المرجعيات والاستشارات القانونية تأتي في المرتبة الأولى لجميع العمليات والمعاملات كإطار عام يشبه الحصن المنيع، وكل ذلك يجري في نسق من الحرص الشديد على احترام القوانين والالتزام بها نصا وروحا.
ليس لدينا دراسات يعتد بها لقياس مستوى الثقافة القانونية في مجتمعنا الأردني، ولكن الكثير من الممارسات تشير إلى غياب تلك الثقافة، وغالبا ما تتعطل المعاملات نتيجة عدم معرفة المراجعين بجميع العناصر التي تستكمل ملف المعاملة التي يراجع بها المؤسسات الحكومية التي يلتزم موظفوها بالقوانين والأنظمة والتعليمات المعمول بها، ومع وجود إمكانية لإعادة تصويب المعاملات بما يتفق مع القانون فإنها تنجز في نهاية المطاف ولكن في وقت أطول بكثير مما لو كانت مستوفية الشروط.
ما يهمنا يتعلق ببعض القوانين المتعلقة بالسلوك الاجتماعي، مثل قانون الجرائم الإلكترونية وقانون السير، وكلاهما متربط بالمسألة السلوكية وبالسلم المجتمعي، ولأن الضرر المثبت لسلوكيات غير مسؤولة أصبح ملموسا، ماديا ومعنويا، فإن الأسباب الواجبة هي في حد ذاتها تشكل منطلقا لعملية متكاملة تربط بين نصوص القوانين والأحكام المقررة بشأنها وبين نشر ثقافة عميقة ومؤثرة لدى المواطنين لكي يكونوا على بينة من حقوقهم وواجباتهم على حد سواء!
بصفة خاصة فإن التركيز على الثقافة المرورية أمر في غاية الأهمية لأن حجم الخسائر البشرية والمادية التي يتكبدها الوطن فادحة بكل المعايير، ومع التقدير الكبير للجهود المبذولة من جانب مديرية الأمن العام في مجالات السلامة المرورية إلا أن الاستجابة من جانب بقية الهيئات والمؤسسات ليست كافية، وهنا لا بد من الإشارة إلى دور المدارس والمعاهد والجامعات في تدريس مساقات أو مواد علمية وتطبيقات نظرية وعملية أصبح على درجة عالية من الأهمية، خاصة وأن أكثر الضحايا هم من الشباب.
مرة أخرى حان الوقت لكي نعترف بأن الثقافة القانونية بصفة عامة أدنى بكثير مما يجب أن تكون عليه من أجل ترسيخ العلاقة بين المواطن والقانون باعتباره مصلحة خاصة وعامة تحقق سلامة حياته وحقوقه الطبيعية في مجتمع آمن ومستقر ومزدهر!