جريدة الغد، الاثنين 2023/08/21
دائما يحسم جلالة الملك الجدل والنقاش في كل القضايا المختلف عليها، ويرسم الخط الفاصل بين الاتجاهات والانطباعات، حتى تتضح الصورة بما لا يدع مجالا للتضليل أو التشكيك أو سوء الفهم.
على مدى الأيام القليلة الماضية كان قانون الجرائم الإلكترونية مثار خلاف متعدد الأطراف، ولم يخل الكلام من الحدية والعصبية أحيانا، بدعوى أن القانون الجديد يكمم الأفواه، ويحد من حرية التعبير، ويناقض مشروع التحديث السياسي الذي يؤسس لمرحلة جديدة من الحياة الحزبية والبرلمانية، ذلك في مقابل المواقف المساندة للقانون من حيث أنه ضرورة ملحة من أجل وضع حد للمارسات غير الأخلاقية التي تهدد سلامة الدولة والمجتمع!
كان هناك قدر من التغافل عن طبيعة الدولة غير التعسفية التي أرست قواعد التسامح في كل المفاصل الصعبة التي شهدتها على مدى مئة عام من عمرها، وكلها ما تزال حاضرة في الأذهان، وقد أنعش جلالة الملك الذاكرة الجماعية بتلك الحقيقة خلال لقائه رئيس وأعضاء مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان ونقيب الصحفيين قائلا (الأردن ليس دولة تعسفية ولن يكون أبدا، وتاريخنا يشهد على ذلك).
ذلك هو القول الفصل بين كل الآراء، وتلك هي النقطة الجوهرية التي تلفت انتباه الجميع إلى أن الدولة لا يمكن أن تغير من طبيعتها، وهي ليست مضطرة لتراجع من هذا النوع في الوقت الذي تبدأ فيه مشروعا سياسيا غايته الأولى توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، من خلال مشاركة الأحزاب في الانتخابات العامة، والتي تتهيأ لخوض الانتخابات البرلمانية المقررة خلال العام المقبل 2024!
النقطة الجوهرية الثانية في مساحة القول الفصل هي تلك التي أشار إليها جلالة الملك عندما أوضح ثنائية العلاقة بين توافق الأردنيين جميعا على ضرورة مواجهة الإساءات التي تخالف القانون عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبين ضمان حقهم في التعبير عن رأيهم في انتقاد السياسات العامة، إلى جانب اختبار القانون في مرحلة التطبيق العملي للحكم عليه، ومراجعة بعض بنوده إذا لزم الأمر، كما هو الحال لبقية التشريعات.
أما النقطة الجوهرية الثالثة فهي تلك المتعلقة بجدية تنفيذ مسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، وتأكيد جلالته قائلا (ملتزمون بذلك ونسير بقوة) مشيرا إلى المشاركة الحزبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، رغم محاولات التشكيك من بعض الفئات وبالمحصلة فإن حديث جلالة الملك جاء ليقطع الشك باليقين، وليؤكد من جديد على أن الاختلاف حول شؤوننا الوطنية لا يفسد للود قضية ما دام نابعا من حرص وإنتماء وطني صادق وحقيقي، وأن إجلاء الصورة وتنقيتها مما قد يعلق بها أو يشوه بعض ملامحها هو في حد ذاته ميزة أردنية لطالما حفظت التوافق الوطني في مواجهة التحديات مهما كان حجمها أو مصدرها، ملثما كانت وما تزال أحاديث الصراحة والحسم والفصل بين التناقضات والاختلافات التي يكاشف بها جلالة الملك شعبه الضمانة الحقيقية لسلامة الدولة وقوتها وحيويتها المتجددة.