جريدة الغد، الاثنين 2023/09/18
ربما تكون اللقاءات والحوارات التي تجريها الأحزاب الوطنية من شمال الأردن إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه الأكثر كثافة وحيوية منذ فترة طويله، والأجواء المحيطة بها تحتاج إلى نوع من المراجعة لنوعية الخطاب الحزبي وطبيعته ليلتقي في منطقة معينة مع القضايا التي تشغل بال الأردنيين، وهي في معظمها مرتبطة بالآثار السلبية للواقع الاقتصادي الراهن على معيشتهم وشؤون حياتهم اليومية.
في الغالب يستمع الجمهور المحلي لممثلي الأحزاب وهم يشرحون التوجهات العامة، والمنطلقات الرئيسية لفكرها البرامجي، ويدعون الحضور للانضمام إلى المسيرة الحزبية والمساهمة في توسيع قاعدة المشاركة في اتخاذ القرار، ومناصرة مرشحيهم عندما يحين موعد الانتخابات البرلمانية القادمة.
في المقابل تتركز معظم المداخلات على الوضع المعيشي وغلاء الأسعار والفقر والبطالة، وتدني الخدمات العامة، ويذهب البعض إلى الاستعانة بالإحصاءات أو التصريحات الرسمية عن المديونية والعجز في موازنة الدولة، وغيرها من المؤشرات الدالة على حجم الأزمة الاقتصادية، محملين المسؤولية للحكومات المتعاقبة، بغض النظر عن العوامل الخارجة عن إرادتها كالأزمات الإقليمية والدولية، بأبعادها السياسية والأمنية والمالية، وحالة عدم الاستقرار السائدة في الأسواق العالمية وفي مقدمتها أسعار النفط والغاز والسلع الأساسية!
في مكان ما من هذا الحوار الوطني العريض يصل الجميع إلى سؤال مركزي حول ما إذا كان هذا الوضع يشكل سببا موضوعيا للتفاعل مع الحياة الحزبية والانخراط فيها، وخلق بيئة سياسية تتيح لممثليهم في مجلس النواب التعبير عن طموحاتهم ليس كأفراد وإنما كممثلين لفكر حزبي برامجي مخطط ومدروس، أم أن هذا الوضع يدفعهم إلى الشك في جدوى الأحزاب وقدرتها على إحداث التغيير المنشود في معالجة الأزمة الاقتصادية، ومواصلة عمليات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري؟!
بالطبع، الأحزاب ليست مسؤولة لا من قريب ولا من بعيد عن الوضع الاقتصادي السائد منذ عدة سنوات لأسباب محلية وخارجية، وليست معنية بتقديم المبررات أو الدفاع عن وجهة نظر معينة، ولكنها معنية بتحليل الأزمة على أسس التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية وتحديد الغايات والأهداف التي يمكن من خلالها معالجة الخلل أينما وجد في القطاعات جميعها، والمساهمة في اقتراح الحلول للمشاكل العاجلة والآجلة، وهي تملك من أجل ذلك عدة أدوات من أهمها مجلس النواب وغيره من المجالس المنتخبة!
قلت في مقال سابق إن أجواء الحوار تبعث على الارتياح من زاوية أنها تجاوزت في أمد قصير إشكالية الجدية والجدوى، فضلا عن التعمق في لغة الحوار الديمقراطي، والاهتمام المتزايد بعملية الانضمام للعمل الحزبي، ولكن ما يقوله الناس في تلك الحوارات عن المشكلات التي تشغل بالهم، والأعباء التي يتحملونها في معيشتهم، وغيرها مما يعبرون عنه في العادة حتى خلال لقاءاتهم مع المسؤولين الحكوميين يحتاج منا جميعا إلى إعادة صياغة خطاب وطني أكثر عمقا ووضوحا ومصداقية من أجل تشكيل حالة من التضامن الوطني في مواجهة التحديات والأزمات، والخروج من عقلية الشماعة التي اعتدنا تعليق كل المشاكل عليها !