جريدة الغد، الاثنين، 2023/10/02
ليس من طبعي أن أعلق بشكل مباشر أوغير مباشرعلى وجهات نظر الآخرين حول القضايا العامة، وإن كان بعضها يشكل انطباعات أحتفظ بها لنفسي، وحتى في هذا المقال أنا أكتب عن الأردن الذي يرى البعض أنه في مأزق بسبب التحولات والتغيرات التي تشهدها العلاقات الإقليمية بامتداداتها الدولية، وليس عن ما يكتب في هذا السياق!
والسؤال المنطقي هو: ما هي المعايير التي يمكن استخدامها لمعرفة ما إذا كان الأردن في مأزق فعلي بسبب تلك التحولات؟ وما هي الأوزان التي توضع في كفة الميزان لمعرفة ثقله الحقيقي في التوازنات الإقليمية؟ وكيف يمكن تحديد من هو في حالة قوة أو ضعف في عملية التحول على افتراض أنها تمضي بنجاح في اتجاه معين؟ وهناك عدد غير محدد من الأسئلة لأي باحث إستراتيجي متخصص في القضايا الإقليمية يريد أن يبحث في مكانة الأردن ضمن محيطه العربي والإقليمي والدولي!
نقطة الارتكاز هنا ليست بحاجة إلى دليل، فالدولة الأردنية بنظامها وشعبها ومؤسساتها وعلى رأسها قواتها المسلحة راسخة هنا منذ قرن من الزمان، وقد صمدت تلك الدولة في كل الظروف والأحوال التي نعرفها، ويعرفها الآخرون، دون حاجة منا لأي نوع من استحضار الوقائع والمخاطر والأحداث التي تجاوزها الأردن بقدراته الفائقة على التصدي، وإعادة التنظيم، ومواصلة المسيرة حتى لو شابت العقبات طريقها والتحديات.
نحن نتحدث عن فترة تاريخية شهدها من هم في مثل عمري منذ عام 1967، وشهدها شيوخ أطال الله في أعمارهم منذ عام 1948، ويشهدها معظم الأردنيين منذ ثلاثة عقود على الأقل وكلنا يدرك بالشواهد القاطعة أن الأردن لم يخدش أو يجرح بل إنه لملم جراح الآخرين واحتضن خوفهم وهلعهم في واحة من الأمان والعيش الكريم، فأي مقارنة يمكن عقدها بين قوة وثبات في وجه أزمات خطيرة، وبين تغيرات سياسية إذا لم يكن طرفا فيها فذلك لا يعني أنه متضرر من نتائجها!
واضح أنني لا أسمي الأشياء بمسميتها لأن الأردن مهتم بالمبدأ وليس بالتفاصيل، والمبدأ المتصل بالقضية المركزية كما شرحه جلالة الملك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هو أن المعاناة في هذه المنطقة ستستمر إلى أن يساعد العالم في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والعالم هنا يعني المجتمع الدولي ومن يمثله من هيئات ومنظمات دولية، ومن جهود سياسية إضافية تساهم بها الدول المعنية بالسلام في الشرق الأوسط، وفي نهاية المطاف منح الفلسطينيين حقهم بإقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.
إذا كانت هناك مبادرات من شأنها الوصول إلى هذه الغاية فخير وبركه، ولكن في جميع الأحوال لا شيء يضع الأردن في مأزق، وارتباطه العميق بالقضية الفلسطينية هو جزء من عناصر قوته وليس العكس، وعلى مدى مراحل المبادرات والاتفاقيات بخصوص عملية السلام كان الأردن وما يزال طرفا رئيسا لا يمكن تجاهله، وتلك حقيقة تعرفها الأطراف جميعها كأمر واقع، وليس كمجاملة سياسية أو دبلوماسية!
يمتلك الأردن خبرة طويلة في التعامل مع التوازنات الإقليمية منحته القدرة على تحليل التطورات في حينها، واستشراف أبعادها ونتائجها، ومع ذلك لا يمارس أحكاما مسبقة لأن نهجه السياسي مرتبط بفكر وحكمة وثبات قائده وإنسانيته وضميره الحي.