جريدة الغد، الاثنين، 2023/10/23
وحده الكيان الإسرائيلي يعرف حجم الهزة التي ضربت عمق إستراتيجيته الأمنية يوم السابع من أكتوبر الحالي، حتى حلفائه الذين هبوا لنجتده سياسيا وعسكريا فهموا النتائج دون التفاصيل، وقرروا أن المهمة العاجلة تتركز على ملء الفراغ الذي أحدثته تلك الهزة، واستعادة توازنه بأي ثمن.
هذا حدث غير عادي في مجريات القضية الفلسطينية يأتي في وقت كانت إسرائيل تظن أنها في أحسن حالاتها، وأقوى مراحلها، وأن كل الظروف تخدم مخططاتها لنشر المستوطنات في كل مكان على الأراض المحتلة منذ عام ، وتهويد القدس بأكملها، والاستيلاء التدريجي على الحرم القدسي الشريف وبقية المقدسات الإسلامية والمسيحية، وإقامة علاقات طبيعية من أكبر عدد من الدول العربية، وقيادة مشاريع إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط (الجديد) وتصدر مشهد الأمن والتعاون الإقليمي بالصورة التي كان يحاضرعنها رئيس وزرائها بنيامين نتياهو مستخدما شاشات العرض التي تظهر الخرائط، وتستعرض الأرقام والبيانات والشروحات!
كل ذلك سقط كأنه بنيان أطاحت به هزة عنيفة وفق أعلى درجات سلم ريختر، ستتبعها بالطبع هزات إرتدادية داخل المجتمع الإسرائيلي عاجلا أم آجلا، وما كل هذا الجنون الذي يصيب القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، والعمى في رؤية أو تحديد الأهداف إلا دليل على حجم السقوط المدوي للصورة التي حاولت إسرائيل إقناع الآخرين بها، حتى عندما قررت إظهار قوتها الفائقة لإمكانياتها العسكرية لم تجد غير ممارسة أقبح جرائم الحرب التي شهدها العصر الحديث في حق مدنيين عزل، وهذا في حد ذاته مساهمة منها بعملية السقوط بأبعادها السياسية والعسكرية والأخلاقية.
لا شك أن أهل غزة في محنة لا مثيل لها، ولكن المحنة الأعمق تتعرض لها الإنسانية كلها، حين تعجز عن حماية آخر ما تبقى لها من قيم ومبادئ ومثل عليا، وذلك بقدر ما تعجز الأمم المتحدة ومجالسها وهيئاتها ومنظماتها ومعاهداتها ليس في وقف هذه المجازر الشنيعة بل في الدفاع عن مبررات وجودها، تاركة من تسمى نفسها بالقوى العظمى تعبث بقضايا الشعوب كيفما تشاء، وفق منظور لتحقيق المصالح بالقوة إلى درجة تدمير دول وشعوب بعينها.
وقوف المعسكر الغربي إلى جانب إسرائيل ليس بجديد، فهو من أقامها، وهو من ضمن بقاءها، ودعمها بلا حدود، ولكنه أبدى هذه المرة وبشكل واضح ما كان متواريا من دوافع دينية كنا نختلف في السابق عن حقيقة وجودها أو تأثيرها على صناعة القرار في دول تقول إنها علمانية، وإلا لماذا يقول السيد بلينكن للإسرائيليين (لقد جئتكم بصفتي يهودي قبل أن أكون وزير خارجية امريكا) بل لماذا أصر الرئيس الأمريكي السابق ترامب على اعترافة بالقدس عاصمة لليهود وليس لإسرائيل؟!
في كل يوم تدخل عناصر جديدة على هذا التحول التاريخي الذي نعيش أيامه وربما سنواته المقبلة، والكل منهمك في متابعة التطورات على مسرح غزة الدامي، ولكن تلك الهزة لم تصب إسرائيل وحدها، في اعتقادي أنها أصابت شريان الأمة العربية، وروح الأمة الإسلامية، وما نحاول استخلاصه الآن يكمن جوابه بعد حين.
من المهم أن ندرك اليوم كأردنيين أن موقعنا في هذا الصراع أقرب من غيرنا لفلسطين، واليوم نحن نفهم أكثر من أي وقت مضى الموقف الإستراتيجي الذي تمسك به جلالة الملك عبدالله الثاني لسنوات طويلة بضرورة منح الشعب الفلسطيني دولته المستقلة على أرضه بعاصمتها القدس الشريف، وظل يواجه به قادة العالم بما فيهم قادة إسرائيل، فقد أراد أن يقول لهم عليكم أن تكونوا على يقين بأنه لن يكون بإمكانكم تجاوز الحقوق الفلسطينية، وأنه إذا وقعت الهزة أو الطوفان فسيقود الجميع نحو الهاوية!