جريدة الغد،الاثنين 2023/11/06
تحتل جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة مرتبة الصدارة في وسائل الإعلام التقليدي ومواقع التواصل الاجتماعي، بينما تفرض التطورات التي تشهدها المنطقة منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي نفسها على المحافل الدولية، والاتصالات السياسية على أعلى مستويات المسؤولية من أجل وقف تلك الجرائم، وإنقاذ المدنيين في غزة والضفة الغربية من عمليات الإبادة والقتل الممنهج، ومنع تدحرج الأوضاع نحو توسيع دائرة الصراع في المنطقة كلها.
إعلامنا الوطني واكب تلك الأحداث منذ لحظاتها الأولى على مستوى المتابعات والتقارير الإخبارية والتحليلات السياسية والعسكرية، شأنه في ذلك شأن وسائل الإعلام المختلفة، ولكن لأن الأردن الذي لم يكن يوما في موقف الحياد عندما يتعلق الأمر بمآسي الشعب الفلسطيني وبقضيته العادلة فقد كان من الطبيعي أن يتفاعل الإعلام بجميع مؤسساته المرئية والمسموعة والمقرؤة مع موقف الدولة، ومع الاتصالات التي أجراها جلالة الملك عبدالله الثاني في عمان وعدد من العواصم الاوروبية، ومؤتمر القاهرة الدولي ، إلى جانب الجهود المبذولة لدى مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة من أجل إدانة ووقف ذلك العدوان الآثم، ودعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه أبشع جريمة معاصرة يرتكبها جيش نظامي بحق المدنيين.
لقد تابعت، بل وشاركت ككاتب ومحلل سياسي في تلك التغطية المكثفة التي قامت بها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وقناة المملكة وبقية المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحف والمواقع الإخبارية ووجدت أن منطلقاتها المشتركة والموحدة ترتكز أساسا على موقف بلدهم إزاء تلك الأحداث والتطورات، وهو موقف مبني على علاقة الأردن العضوية بالقضية الفلسطينية على مدى خمسة وسبعين عاما أو تزيد، وعلى دور ومكانة الأردن في بعده القومي، وموقعه في التوازنات الإقليمية والدولية ، تلك المكانة التي يعبر عنها جلالة الملك الذي سبق وأن حذرمن تداعيات تلك التطورات قبل وقوعها ، وكأن خطابه قبل بضعة أسابيع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي دعا فيه المجتمع الدولي إلى فرض قرارته المتعلقة بالحقوق الفلسطينية بمثابة جرس إنذار استفاق العالم عليه متأخرا للأسف الشديد!
ينتقد البعض أداء إعلامنا الوطني عن سوء تقدير لطبيعة المسؤولية التي يتحملها في التعبير عن موقف بلده الوازن في هذه القضية ، وغيرها من القضايا الإقليمية ، بالمقارنة مع محطات إخبارية عربية وعالمية لا تحمل غير التنافس بينها أي مسؤولية ذات مغزى إستراتيجي أو سياسي ، ولا يأخذ المنتقدون في الاعتبار أن منهجة الأداء الإعلامي الوطني تقوم في الأصل على أهمية التعبير عن هذا الموقف بكل ما يترتب عليه من مسؤوليات تجاه وقف العدوان من ناحية ، وتجاه المواجهة مع الجانب الإسرائيلي سواء في اعتدائه على الشعب الفلسطيني وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف أو في إدارة الأزمة والتصدي لمشاريع التهجير ، والضغط على الإدارة الأمريكية والدول الفاعلة كي تكبح جماح الجنون الذي أصاب القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ، وفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية لمنكوبي غزة ، وغير ذلك من الضغوط التي تمثلت في جانب منها باستدعاء السفير الأردني ، وعدم عودة السفير الإسرائيلي إلى عمان ، فضلا عن مجابهة إسرائيل بحل الدولتين الذي ظل جلالة الملك يصر عليه كحل وحيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، والذي أصبح الآن هدفا يتحدث عنه الجميع ، في حين ترى فيه إسرائيل تهديدا لمشاريعها التوسعية ، وتحجيما لطموحاتها في بسط نفوذها على المنطقة !
ذلك هو حجم موقف الأردن الفاعل والمؤثر، وتلك هي واجبات إعلامنا الوطني ودوره ومسؤولياته في إبرازه والتعبير عنه للرأي العام، والعمل على تأكيد وتعميق التضامن القوي بين الأردنيين ونظامهم الهاشمي ومؤسساتهم العسكرية والأمنية، وقطع الطريق على المشككين والمتربصين والمدفوعين للعبث بوحدتنا الوطنية، وفي اعتقادي أن إعلامنا الوطني كان على مستوى الحدث، وأنه قام وما يزال يقوم بهذه المهمة العظيمة على أفضل وجه.