جريدة الغد، الاثنين الموافق 2023/12/25
في هذا الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على غزة ، والاقتحامات الدموية في الضفة الغربية يجري الحديث عن اليوم التالي دون معرفة متى يأتي ، أو ما إذا كان يوما يخص طرفا دون غيره من جميع الأطراف الأخرى ، فتلك المحاولة لخلط المراحل ما هي إلا انعكاس لتعقيدات الأزمة التي اشتعلت شرارتها يوم السابع من أكتوبر وما تزال تتفاعل وتتعقد من يوم إلى يوم .
المراحل في سياقها المنطقي هي تلك التي كان ينبغي أن تتواصل منذ بدء عملية السلام في مدريد ، وتفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 بعاصمتها القدس الشريف ، ولكن إسرائيل مضت في مشروعها الاستيطاني التوسعي ، وصولا إلى يهودية الدولة ، والتمييز العنصري ، وضم القدس عاصمة موحدة لها ، فضلا عن محاولات السيطرة على الحرم القدسي الشريف ، تحت مزاعم تلمودية ، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى من الانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني ، وطموحاته المشروعه .
ظن الجانب الإسرائيلي أنه بذلك يسد كل السبل في طريق الحل العادل للقضية الفلسطينية ، واعتقد أن بإمكانه أن يتجاوز الحقائق على الأرض ، ويطرح نفسه كعنصر فاعل ومؤثر في التوازنات الإقليمية ، من دون التزام من أي نوع بقرارات الشرعية الدولية ومرجعيات ومبادرات السلام بما فيها مبادرة السلام العربية ، ولا حتى اتفاقية أوسلو على علاتها !
وللحقيقة والتاريخ ، وحده جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ظل يحذر قادة العالم من القبول بالنهج الإسرائيلي على أنه أمر واقع غير قابل للتغيير أو التبديل ، وكانت الظروف الإقليمية والدولية تخدم تلك الخديعة التي خدعت إسرائيل نفسها بها ، وأرادت أن يقبلها الجميع على أنها مسألة وقت ، حتى تحل الصراعات الأخرى ، والمشروعات الاقتصادية الكبرى محل الاهتمام بمطالب الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال .
من جديد يسعى جلالة الملك إلى تشكيل موقف عقلاني عربي ودولي لإعادة ترتيب المراحل بعد أن أدرك الجميع ما كان يدعو إليه من تحرك عاجل وضروري لفرض حل الدولتين ، محذرا من أن التغاضي عن هذه المسألة سيؤدي حتما إلى انفجار الوضع ، واحتمال توسيع نطاقه على مستوى المنطقة والعالم ، وهو ما حدث بالفعل ، ويمكن أن يحدث في ضوء ما يجري على الحدود الشمالية مع لبنان ، وفي البحر الأحمر ، وكذلك الاحتمالات الناجمة عن انتهاك إسرائيل الصارخ للمعاهدات والاتفاقيات ، والقانون الإنساني الدولي ، بما يضع دول العالم أمام مسؤولياتها القانونية والأخلاقية على حد سواء !
إعادة ترتيب المراحل كما يطرحها جلالة الملك في سياقها الذي يؤدي إلى إنهاء هذا الصراع تبدأ بالوقف الكامل والصارم للعدوان الإسرائيلي على غزة ، ومدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية ، والانسحاب منها ، ومن ثم البدء بعملية سلمية تستند قواعدها إلى قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ، وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره ، وصولا إلى اختيار الشعب الفلسطيني قيادته التي تمارس سلطات الدولة المستقلة على الأرض الفلسطنينة ضمن حدود الرابع من حزيران موحدة وكاملة .
بالنسبة لقائد مثل جلالة الملك لا يقبل مبدأ فرض الأمرالواقع بالقوة ، ويعلم علم اليقين نقاط القوة والضعف في هذه المعادلة فإنه عندما يطالب الإدارة الأمريكية والقادة الأوروبيين بالعمل على الوقف الفوري لهذه الحرب ، وادخال المساعدات الإنسانية إلى غزة كمرحلة أولى فإنه يلفت انتباههم إلى أن مسؤولياتهم تجاه الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي ، وتجاه مصالح دولهم أيضا هي اليوم على المحك ، والشواهد على ذلك كثيرة ، وكلها تؤكد أن قدرة الحكمة والعقل أنفع وأجدى من قدرة القوة وجنون العظمه !