جريدة الغد، الاثنين الموافق 2024/5/20
توجد بين أيدينا دراسات وأبحاث تقوم بها مراكز عالمية متخصصة حول إشكالية تدني نسب الذين يدلون بأصواتهم في الانتخابات العامة، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محلية، ويعزون ذلك إلى أسباب كثيرة، يتعلق بعضها بالتجربة الديمقراطية ذاتها، وبعضها بعدم الثقة بمخرجاتها، وبعضها بعدم الاهتمام من حيث المبدأ، وفي كل الأحوال تسعى جميع الدول إلى معالجة أسباب العزوف عن مشاركة مواطينها في الانتخابات بصفة عامة، لأن مستوى تلك المشاركة تحمل الكثير من المعاني والدلالات على سلامة العملية الديمقراطية، والرغبة في المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، فضلا عن التمثيل الحقيقي والاستقرار السياسي، والتضامن الوطني لتحقيق المصالح العليا للدول التي ينتمون إليها.
حق الانتخاب هو حق دستوري غير مفروض، فهو خيار يمكن ممارسته، والعكس صحيح، ولذلك تقع مسؤولية إقناع الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع على القوى السياسية والاجتماعية التي تساهم في إيجاد بيئة سياسية مناسبة من خلال العمل الحزبي البرامجي، وعمليات التثقيف السياسي، وتعزيز الثقة لدى الناس بأن حسن اختيارهم لمثليهم من شأنه أن يحقق طموحاتهم المشروعة، ويساهم بالتالي في نهضة الدولة وتقدمها وازدهارها.
نحن اليوم أمام تجربة برلمانية حديثة تمنح الأحزاب من خلال القائمة الوطنية فرصة الحصول على واحد وأربعين مقعدا من أصل المقاعد المائة وثمانية وثلاثين، والاختبار الحقيقي يكمن في مدى قدرتها على تقديم مشروعها الوطني البرامجي، وما يمكن أن يبنى عليه للمراحل اللاحقة عندما تتحول إلى أغلبية تسند إليها مهمة تشكيل حكومة برلمانية، وهذا يعني أن الطريق الذي ستسلكه طويل وشاق، ولا يجوز محاكمتها أو الحكم عليها وهي في خطواتها الأولى، تخوض غمار تجربة التأسيس والتنظيم وتطرح مشروعها الانتخابي على المواطنين، وتختار مرشحيها لتذهب إلى عملية انتخابية على الأبواب.
ثمة فرق كبير بين التوقعات وقراءة المشهد من زوايا مختلفة، وبين مصادرة النتائج سلفا والتشكيك بعملية التحديث السياسي برمتها، والمراهنة على عزوف الناخبين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، ومحاولة وضع حواجز بين السياسة والمجتمع، وفي اعتقادي أن بعض ما يكتب أو يقال بهذا الشأن لا يخلو من نوازع يفترض أن نضعها وراء ظهورنا، فالمسيرة التي نمضي بها هي مسيرة وطن يسعى إلى تعزيز عناصر قوته وثباته في وجه التحديات التي تحيط به من كل جانب، ويكد ويشقى من أجل أن يحافظ على مكتسباته، ومن أجل تحسين واقعه الاقتصادي والاجتماعي، وفتح الآفاق أمام مستقبل أفضل لأجياله، فهذه ليست لعبة سياسية، إنها مصير دولة، ومستقبل شعب بأكمله.
بعض الغمز واللمز لا يستحق التعليق، ولكن ليس بإمكان نائب ما أن يحقق مكاسب ذاتية من أي نوع حين يكون مجلس النواب رقيبا على نفسه، وحين تكون الحكومة صادقة نزيهة ملتزمة بالقسم الذي تؤديه أمام الله وبين يدي جلالة الملك، ولكن من الأهمية بمكان أن تدرك الأحزاب قبل غيرها بأن عليها واجب مخاطبة الأردنيين في كل مواقعهم لكسب ثقتهم، واستنهاض وطنيتهم لأن بعض ما يروج في الأرجاء فيه من التضليل ما يمكن أن يؤثر على نسب المشاركة في التصويت إذا لم يجابه بالحق، وعلى الحق ينبغي أن نمارس حق الانتخاب هذه المرة.