جريدة الغد، الاثنين الموافق 2024/6/10
في غمرة احتفالات الأردنيين بعيد الجلوس الملكي واليوبيل الفضي لتسلم جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين سلطاته الدستورية قبل خمسة وعشرين عاما لا بد لنا من وقفة تأمل عميقة ليس في الإنجازات على كثرتها وأهميتها وحسب، بل في الدولة الأردنية التي انتصرت على تحديات ومخاطر حقيقية عصفت بالمنطقة التي هي جزء منها، ومعظمها مخاطر مباشرة تم التصدي لها عسكريا وأمنيا بالاشتباك المباشر على الحدود الشرقية والشمالية مع قوى الشر والعدوان من مهربي الأسلحة والمخدرات، والقوى الإرهابية التي استهدفت الداخل الأردني وكان أسوأها جريمة فنادق عمان عام 2005، وغيرها من الهجمات الإرهابية التي جعلت الأردن في حالة حرب مع تلك الجماعات منذ ذلك الحين.
في محيطه الجغرافي ليست العراق ولا سورية مجرد دولتين مجاورتين، إنهما امتداد قومي، وأمن مشترك ومصالح متبادلة، وفي مفصلين خطيرين شنت حرب مدمرة على العراق عام 2003، واندلع ما يعرف بالربيع العربي عام 2011 في عدد من البلاد العربية، وفي سورية حيث نزح نحو مليون إنسان إلى الأردن، وقبلهم عشرات الألوف من الأشقاء العراقيين، وكان على قواتنا المسلحة أن تحمي حدودنا من جانب واحد على مدى تلك السنوات بكل ما يترتب على ذلك من تضحيات، وكلفة مالية باهظة، فضلا عن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن تعطل التجارة البينية، وتلك الناجمة عن استنزاف المقدرات الوطنية، دون الخوض في التفاصيل.
كانت القضية الفلسطينية وما تزال تشكل قضية الأردن الأولى، وعلى مدى خمسة وعشرين عاما وجلالة الملك في حالة اشتباك دائم من أجل حمل إسرائيل على إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف، بينما كانت إسرائيل تواصل مشاريعها الاستيطانية والتهويدية، التي تهدف إلى سد كل الآفاق أمام حل الدولتين، والتضييق على الفلسطينيين في جميع مناحي حياتهم اليومية، وظل يحذر من أن هذا الوضع من شأنه أن يفجر الصراع من جديد، وسيهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وهو الوضع الذي أصبح الآن واقعا مأساويا تصعب معرفة المدى الذي سيصل إليه.
نظرة في العمق سترينا حجم المخاطر التي أحاطت بالأردن بلا توقف، ولا فسحة لالتقاط الأنفاس، ورغم ذلك كله يشعر الأردنيون بالأمن والاستقرار إلى درجة الظن لدى كثيرين بأن كل ذلك مجرد مشاكل في الجوار، وفي الحقيقة يمكن قبول وجهة النظر تلك حين ندرك أن الفضل في ذلك بعد الله يعود إلى القائد الذي عرف بحنكته وإدارته الإستراتيجية كيف يحمي مصالح الأردن العليا، ويعزز قدرته الفائقة على مواجهة تلك التهديدات من خلال تعميق عناصر قوة الدولة وثباتها وتجديد وتطوير عوامل نهضتها الشاملة، ومواصلة مسيرتها الإصلاحية والديمقراطية وتفعيل مؤسساتها وقواها البشرية كي تكون قادرة على المضي قدما نحو الأردن الجديد الذي يدخل إلى مئوية ثانية من تاريخه المجيد.
يمكننا بهذه المناسبة أن نتقدم بأصدق عبارات الولاء لجلالته، وأن نرفع أكف الدعاء لرب العزة أن يبارك فيه، ويكون في عونه، ولنا أن نقول كذلك حمدا لله على سلامة الأردن.