جريدة الغد، الاثنين الموافق 2024/6/24
أتاحت عطلة عيد الأضحى الطويلة فرصة لتواصل اجتماعي تفرضها في العادة طبيعة العيد وتبادل التهاني بهذه المناسبة المباركة، وكان من الطبيعي أن تسيطر الأحداث التي تعيشها المنطقة على أحاديث الناس حول حرب الإبادة على غزة، وتداعياتها الإقليمية والدولية، فضلا عن مأساة الحجاج الأردنيين، وحرارة الطقس، وغيرها من الموضوعات التي يهتم بها الأردنيون هذه الأيام وفي مقدمتها الاستعداد للانتخابات النيابية المقررة يوم العاشر من سبتمبر المقبل.
على امتداد ساحتنا الوطنية عقدت مشاورات تمهيدية لاختيار مرشحي القوائم المحلية، بلغت حد التوافق على أسماء محددة، بينما انتهزت معظم الأحزاب الأردنية هذه المناسبة لعقد جلسات حوارية مع الفعاليات الحزبية والسياسية والمجتمعية تم خلالها التطرق إلى الواقع الحزبي منذ صدور قانون الأحزاب وقانون الانتخاب الجديدين، ومدى استعداد الأحزاب لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة على قاعدة البرنامج الوطني الذي يتبناه الحزب، والأسس التي تضبط عملية الترشح من خلال القوائم العامة، وبطبيعة الحال كانت تلك النقاشات فرصة لقياس نوعية ومستوى تقبل القواعد الانتخابية للخطاب الحزبي، ومدى التغير الحاصل في فهم وقبول التجربة الحزبية وهي تخطو على أول الطريق!
قبل أشهر قليلة كان معظم النقاش يدور حول جدوى الأحزاب على ضوء التجارب الصعبة التي عاشها الأردن في مراحل زمنية مختلفة، وغالبا ما سيطرت الشكوك على الأذهان خاصة في المرحلة التي نشأت خلالها فكرة الأحزاب الوطنية البرامجية، في الوقت الذي كانت تعيد فيه أحزاب قائمة ترتيب نفسها لتتوافق مع القانون الجديد، وبدت تلك الحيوية لكثير من الناس غامضة ومعقدة وطويلة الأمد!
لقد شاركت خلال هذه العطلة في ثلاث حلقات نقاشية منظمة، فضلا عن اللقاءات الاجتماعية المعتادة ولم أكن أتصور بأن تتغير منطلقات النقاش إلى هذا المستوى من التفاعل مع العملية السياسية الحديثة، وأن تخرج الأغلبية من مساحة الشك إلى مساحة اليقين بأن الاستحاق الدستوري المقبل أصبح اليوم حدثا وطنيا ينتظره الجميع لكي يكونوا على موعد مع برلمان يضم ممثلي الأحزاب وهم يمارسون دورهم التشريعي والرقابي طبقا لاستراتيجيات موضوعة وبرامج محددة تحاكي شؤون وقطاعات الدولة، وطموحات مواطينها.
ولم تكن المرأة بعيدة عن تلك الجلسات الحوارية، وقد عبرت لأول مرة عن فهمها للدور المناط بها عبر البرلمان ليكون منطلقا لعملية التمكين في المعنى والمضمون والقرار، وكان حضور الشباب كذلك ملفتا وهم أكثر استعدادا لخوض التجربة ترشحا وانتخابا، وأكثر وعيا بالتحديات التي يواجهها بلدهم في ظل الظروف والتطورات التي تحيط به من كل جانب.
والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه علينا ما سر هذا التطور في مستوى الاهتمام على غير ما هو متوقع في مثل هذه الظروف، وخلال فترة قصيرة من الزمن على بداية عملية التحديث السياسي؟
في اعتقادي أن أحد أهم دوافع هذا التطور في الوعي الوطني يكمن في قناعة متصاعدة ومتزايدة بجدية التحول السياسي الذي يعيشه الأردن، وفي استخلاص العبر والدروس مما تشهده المنطقة من أزمات وتهديدات حقيقية لأمن واستقرار المنطقة، واحتمالية ازلاقها نحو حرب إقليمية متعددة الأطراف، الأمر الذي يخلق الشعور بحتمية تحصين بلدنا أمام كل تلك المخاطر، وترتيب بيتنا الداخلي من خلال ترسيخ قواعد القوة والثبات بما في ذلك تعزيز دور سلطات ومؤسسات الدولة لتكون في مستوى الأحداث، وكل ذلك مرتبط أساسا بمستوى الوعي وبالمواطنة الصادقة والانتماء الأكيد!