جريدة الغد، الاثنين الموافق 2024/7/1
تفصلنا ثلاثة أشهر وبضعة أيام عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة، وهي فترة كافية للمشاورات الجارية على قدم وساق، سواء في النطاق المجتمعي أو الحزبي لاختيار مرشحي القوائم المحلية والقوائم الحزبية، ومن الطبيعي أن تفرض التجاذبات نفسها على تلك المشاورات ما بين الإجماع على مرشح معين والاختلاف على آخر، ومن المنطقي أيضا أن تعيد القواعد الانتخابية حساباتها لتنسجم مع قانون الانتخاب الجديد الذي يمنح الأحزاب واحدا وأربعين مقعدا من عدد مقاعد المجلس المائة وثمانية وثلاثين وفق معادلة التمثيل التي يتم في العادة اختيار المرشح على أساسها أو اعتبارا لها.
في النطاق الاجتماعي سمعنا عن توافقات بلغت حد تسمية أسماء المرشحين، وفي النطاق الحزبي حيث يحتاج الأمر لمزيد من المشاورات نظرا لطبيعة التحدي الذي تخوضه في ضوء هذه التجربة الحزبية الحديثة فإن اختيار المرشحين يرتبط حكما بعضوية المرشح وقدرته على التعبير عن برنامج الحزب عندما يصل إلى البرلمان، وليس بالضرورة أن يكون معزولا عن ارتباطه الاجتماعي أو القطاعي، فالمرشحون يمثلون المجتمع الأردني أولا وأخيرا.
الشيء الغريب أن البعض راغب في تركيب صورة غير واضحة المعالم توحي بأن التحول السياسي الذي يعيشه الأردن مليء بالعراقيل، وأن الأحزاب ليست مستعدة بعد لخوض التجربة، وأن التوافق يجب أن يتحقق من أول لقاء للتشاور وإلا فلن يتحقق أبدا، أو أنه دليل على وجود عقبات يصعب تجاوزها!
أنا في العادة لا أميل إلى سوء النية في تفسير بعض ما يكتب أو يقال، ولكني أميل إلى أن سوء التقدير قد يكون سببا في عدم الفهم الدقيق لطبيعة المرحلة التي تجري خلالها تلك المشاورات، ولكن محاولة تركيب صورة مغايرة للواقع والمنطق تحتاج إلى مراجعة أمينة، وإلى حوارات تتيح لنا فرصة الاتفاق على معايير صحيحة لقياس مدى التغير الحاصل في المجتمع منذ أن أتممنا عملية تحديث المنظومة السياسية على طريق المسيرة الديمقراطية، ومبدأ توسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وضخ دماء جديدة تمنح الحيوية اللازمة للحياة الحزبية والسياسية التي تدخل الآن مرحلتها الأولى، وصولا إلى تشكيل حكومات برلمانية بعد عقد من الزمان.
الصورة الطبيعية التي يجب أن نراها على حقيقتها هي صورة بلد اختار لنفسه عملية إصلاح وتغيير عبر عمليات تحديث سياسي واقتصادي وإداري، يريد من خلالها التغلب على التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء، أو بمعنى آخر يريد ترتيب بيته الداخلي ليكون سكنا وسكينة وطمأنينة وازدهار، وهذا الأمر يتوقف إلى حد بعيد على بث روح جديدة في العزيمة الوطنية، وتعميق الوعي الوطني تجاه المصالح العامة للدولة ومواطنيها، وحثهم على المشاركة في المشاورات التمهيدية لاختيار ممثليهم، وفي الذهاب إلى صناديق الاقتراع عندما يحل موعد الانتخابات البرلمانية، على أنه استجابة وطنية تعبر عن قناعتهم بمبدأ المشاركة الشعبة في اتخاذ القرار، وعن خياراتهم وطموحاتهم، وعن إيمانهم وانتمائهم لبلدهم، وانحيازهم الأكيد لأمنه واستقراره وقوته وثباته في وجه المخاطر التي تمر بها المنطقة والعالم بأسره.