جريدة الغد، الاثنين الموافق 2024/7/29
تتزايد وتيرة التحضيرات للانتخابات البرلمانية المقررة يوم العاشر من شهر سبتمبر المقبل، ومن وحي درجات الحرارة المرتفعة هذا الصيف يمكن القول إن سخونة المشاورات والتوافقات حول قوائم المرشحين المحلية والعامة، وكذلك الجهود المبذولة من الأحزاب الوطنية لعرض برامجها على القواعد الشعبية في جميع محافظات المملكة على وشك أن تنضج ثمار عملية التحديث السياسي على أساس قانوني الانتخاب والأحزاب الجديدين.
أجواء الانتخابات النيابية التي تسبق موعد تقديم طلبات المترشحين للدوائر المحلية والدائرة العامة (القائمة الحزبية) نهاية الشهر الحالي، وتسبق مرحلة الدعاية الانتخابية اعتبارا من يوم التاسع من شهر آب المقبل يمكن وصفها بأنها أجواء إيجابية، ومفعمة بحالة من الوعي الوطني الذي تفرضه طبيعة التطورات الجارية في المنطقة، والتحديات التي يتعامل معها الأردن بحذر وانتباه شديدين، سواء ما يتعلق بحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والممارسات العدوانية والاستيطانية في القدس والضفة الغربية، أو ما يمكن أن يترتب على ذلك من معادلات إقليمية ودولية بالنسبة لمصير المنطقة كلها.
الأولويات الوطنية في جميع الحوارات والنقاشات متفق عليها إلى حد بعيد، والتحديات الداخلية كذلك واضحة في عناوينها وآثارها الملموسة، ومعظمها اقتصادية بالدرجة الأولى، ناجمة عن واقع إقليمي صعب ومضطرب، وهو واقع حدودي مباشر يرتبط بالعراق وسورية وفلسطين، جعل كلفة الحفاظ على الأمن عالية جدا، وزادت عليه كلفة الالتزام الأخوي والأخلاقي الناجمة عن اللجوء أعباء لا حصر لها، ومن الناحية العملية تعطلت التجارة البينية، وتعطل معها جزء غير قليل من الصادرات، فضلا عن كلفة الطاقة، وكل ما يرتبط بها من حيوية اقتصادية.
ذلك لا يعفينا بالطبع من الاعتراف بفشل بعض السياسات الاقتصادية، إما لخطأ في تخطيطها أو تنفيذها، وإما لعوامل خارجة عن إرادتنا، كتلك التي أشرت إليها، ولكن الاهتمام الذي يبديه الجميع في الحوارات الوطنية يتركز إلى حد بعيد على المشكلات الاقتصادية، وكيفية معالجة قضايا الفقر والبطالة، وتحقيق قدر من النهوض الاقتصادي رغما عن الظروف التي يصعب توقع حل لها في أمد قريب.
لكن السؤال الذي يتم طرحه بشكل مباشر أو في السياق العام هو (أين نقف اليوم؟) وهو سؤال تفرضه التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة، والتخوف من اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، متعددة الأبعاد والتداخلات الدولية، والمهم هنا ليس الواقع الاقتصادي بل إن المهم أو الأهم هو قوة الأردن وقدرته على التعامل مع تلك الاحتمالات للحفاظ على أمنه واستقراره ومصالحه العليا، والدور الذي يمكنه القيام به لنزع فتيل تلك الحرب، أو الحد من شرورها.
من أجل أن يكون الأردن قادرا على ذلك كله فإن تقدمه المتواصل نحو ترتيب بيته الداخلي وتعزيز عناصر قوته الذاتية من خلال وحدة شعبه، والتفافه حول قيادته الهاشمية، وإيمانه بوطنه، وبمشروعه النهضوي، ومشاركته الأكيدة في صنع القرار، كلها أولويات وطنية تليها بقية الأولويات على اختلاف أسبابها أو أهميتها، وفي اعتقادي أن الروح التي تحكم معظم تلك الحوارات التي تجري بمناسبة التحضير للانتخابات النيابية تحمل في طياتها محاولات للإجابة على ذلك السؤال الكبير.