جريدة الغد، الاثنين الموافق 2024/8/5
يجب أن نتذكر في كل يوم أن الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين قد حذر وبأشد العبارات وضوحا من أن غياب الشرعية الدولية بإطارها المؤسسي والأخلاقي، ومعاهداتها واتفاقياتها، وأذرعها المختلفة سيقود هذه المنطقة من العالم إلى حروب وأزمات لا حصر ولا نهاية لها، وأن الوقوع في المحظور، أي المحرم والممنوع حاصل لا محالة ما لم تأخذ الشرعية الدولية زمام المبادرة بيدها لتضع حدا لجميع الانتهاكات التي تعرض لها القانون الإنساني الدولي بالصورة المماثلة في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وفي خرقها الصارخ لقواعد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
جاء التحذير من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل اسابيع قليلة من يوم السابع من أكتوبر الماضي، وكانت نقطة الارتكاز تتمحور حول ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة المستقلة للشعب الفلسطيني على حدود الرابع من حزيران 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما وصفه جلالة الملك بحل الدولتين، وقبل ذلك حذر جلالته من أن عقلية القلعة التي تحكم تصرفات قادة إسرائيل لن تسمح بأي نوع من السلام والاستقرار والتعاون بين دول المنطقة، ولا تحت أي عنوان غير عنوان الحل العادل للقضية الفلسطينية!
ها هي إسرائيل تواصل حرب الإبادة والدمار الشامل على غزة، وتصعد من عدوانها على الضفة الغربية، وتمضي قدما في مشاريع الاستيطان والتهويد، وخاصة في مدينة القدس، وتذهب بعيدا في جر المنطقة إلى حرب إقليمية، يمكن أن تتحول إلى حرب عالمية، ورغم أن فتيل هذه الحرب يمكن إضفاؤه بوقف الحرب على غزة إلا أن التطورات في الأيام القليلة الماضية، باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خلال وجوده في طهران، واغتيال أكبر قائد عسكري لحزب الله في العاصمة بيروت، وتوسيع إطار المواجهات العسكرية، ما هي إلا مزيد من صب الزيت لإشعال تلك الحرب، إلا إذا تحملت الشرعية الدولية ممثلة بمجلس الأمن الدولي مسؤولياتها لمنع كارثة حقيقية بشكل عاجل وحاسم وفعال!
الأردن بلد موجود في وسط هذه الحرب، ولكنه ليس شريكا لأي طرف فيها، وما يهمه أولا هو أمنه ومصالحه العليا وسلامة أرضه وشعبه، وإنقاذ الشعب الفلسطيني من المأساة التي يعيشها، وهو في الأصل منحاز إلى جانب القانون الدولي، وإلى الدعوة إلى السلام، وحل المشاكل عن طريق التفاوض السلمي، فإذا اختار الآخرون الطريق الآخر فذلك شأنهم، والأردن يعرف أن الشرعية الدولية غائبة قياسا على حجم الواجب والمسؤولية الواقعة عليها إلا أنه يواصل دوره في تشكيل موقف دولي قوي يجعل الدول المسؤولة عن الأمن الدولي تتحرك لكي تفعل الصواب، ولا تنساق إلى انحدار يمكن أن يضعها في لحظة غير محسوبة أمام خطر المواجهة مع بعضها.
يخطئ من يتصور أن الأردن يقف على الحياد لمجرد أنه يتمسك بالقانون الدولي، والنظام العالمي للدول، إنه في الواقع يقف في خط المواجهة الأول للشر والعدوان وتعريض حياة الشعوب للخطر والدمار، وأساس موقفه يقوم على حقيقة أن قضية الشعب الفلسطيني هي قضيته ( الوطنية ) وأن عدم قبول إسرائيل بخطة السلام العربية والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، سيظل المصدر الأول لمعظم المشكلات القائمة في منطقة الشرق الأوسط، وهو يؤمن بأن هناك دائما خطوة تسبق الوقوع في المحظور بمعنى السقوط في الهاوية يأمل أن يتم إدراكها قبل فوات الاوان !