جريدة الغد، الإثنين الموافق 2024/10/21
شهد مقر وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية على مدى الأسابيع القليلة الماضية لقاءات منظمة ومرتبة بين الوزير المحامي عبدالمنعم العودات وبين قادة عدد من الأحزاب الوطنية الأردنية في بادرة تصدر عن شخصية برلمانية سبق أن ترأست مجلس النواب لدورة واحدة، وترأست اللجنة القانونية لعدة دورات، ومن موقعه هذا اشتغل الأستاذ العودات على التعديلات الدستورية وعلى قانوني الانتخاب والأحزاب، وهو الآن كوزير للشؤون السياسية والبرلمانية يمكن أن يدير كل تلك الحوارات مرتكزاً على القيمة الحقيقية للقانونين – نصاً وروحاً – من أجل تعميق الفهم الوطني لعمليات التحديث السياسي بشكل خاص، والتحديثات أو الرؤى الاقتصادية والإدارية بشكل عام.
تحدث الوزير– وكنت حاضراً إحدى تلك الجلسات مع قادة حزب الميثاق الوطني– بمنطق المشرع والنائب الذي غادر مجلس النواب ولكنه لم يغادر خلفيته البرلمانية شارحاً خيار التحديث السياسي كعملية مستمرة على مراحل، تحتاج في كل مرحلة منها إلى قدر وافر من التفاهم حول العوامل التي من شأنها تعزيز المسيرة الديمقراطية، وعلى قدر أوفر من التضامن لتفعيل عناصر القوة في مواجهة التحديات التي يتعرض لها الأردن، والاحتمالات والتوقعات ذات العلاقة بالوضع الراهن في المنطقة، وإمكانية اندلاع حرب إقليمية شاملة، وذات تداعيات تنعكس حتماً على دول وشعوب المنطقة كلها.
يتحدث الوزير عن الفرصة الراهنة من دون أن يصفها بأنها ذهبية وإن كان يعتقد بأن الحفاظ عليها أغلى من الذهب، خاصة وأن الأردن يمر في لحظة حاسمة من تاريخه الحديث، وأن بناء موقف وطني موحد تساهم الأحزاب الوطنية البرامجية في صياغته على المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه النضال الوطني من شأنه تعظيم قوة الدولة وثباتها في مواجهة التحديات من ناحية، ومواصلة مسيرتها التحديثية والإصلاحية من ناحية ثانية.
الثوابت الوطنية ليست محل اختبار أو اختيار إنها في الحقيقة عناوين ثابتة وواضحة، فإما أن تكون إطاراً جامعاً بين الأحزاب والتيارات السياسية والحكومة، وإما أن تكون حكماً بين ما هو في خدمة المصالح العليا للدولة وبين ما هو دون ذلك، وفي حدود معرفتي فإن جميع الأحزاب التي تحاورت مع السيد العودات خرجت بانطباع إيجابي حول ما يمكن تسميته بالجوامع المشتركة، وحول ما يمكن أن يجعل الخلاف في الرأي منطلقا لتبادل الآراء بالشكل الذي يخدم الحوار الوطني كممارسة ديمقراطية تحترم الأقلية من خلالها رأي الأكثرية، وتخلق في الوقت نفسه ثقافة جديدة تنسجم مع هذه المرحلة المتقدمة من الحياة السياسية الأردنية، وتوجد بيئة خصبة للوعي الوطني والنضال الحزبي البرامجي، بما يفتح الطريق بنجاح نحو المرحلة القادمة من التحديث السياسي التي سيتضاعف فيها عدد المقاعد المخصصة لممثلي الأحزاب في البرلمان من القوائم العامة والمحلية، وصولاً إلى الهدف الأسمى المتمثل في تشكيل حكومات برلمانية من أغلبية حزبية مطلقة أو تحالفات حزبية أو كتل برلمانية.
لا تكون الحوارات بناءة إلا إذا كانت صريحة، والصراحة هنا ليست مجرد استبعاد للمخادعة أو المجاملة أو المواربة، وإنما هي الصدق والوضوح بعينه، والاستعداد لحمل أمانة المسؤولية المشتركة التي لا يفرضها طرف على الآخر، وإنما يحملها الجميع عن قناعة وعقيدة وإيمان.