جريدة الغد، الإثنين الموافق 2024/10/28
تشرفت بعضوية مجلس الأعيان على مدى عامين، وقبلها شرفني جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بعضوية اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي أحدثت تحولاً مفصلياً في الحياة السياسية الأردنية، بصدور تعديلات دستورية لتكريس مبدأ المساواة، وتطوير الأداء التشريعي والرقابي، وتمكين المرأة والشباب، وضمان حرية العمل الحزبي، وبصدور قانوني الانتخاب والأحزاب اللذين جرت بموجبهما الانتخابات النيابية لاختيار أعضاء مجلس النواب العشرين، الذي يضم لأول مرة ممثلين عن الأحزاب الوطنية البرامجية، كخطوة أولى نحو تشكيل حكومات برلمانية تشكلها أغلبية حزبية، أو ائتلاف من أحزاب وكتل برلمانية.
يعرف مجلس الأعيان بأنه مجلس جلالة الملك لأنه هو الذي يعين أعضاءه من ذوي الخبرة وفق نص دستوري يحدد مهام مجلس الأمة الذي يمثل السلطة التشريعية المناط بها مهمة التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية، والرقابة الدستورية أيضا، ولا شك أن العلاقة بين غرفتي مجلس الأمة (الأعيان والنواب) هي علاقة مشتركة هدفها ضمان سلامة إصدار القوانين، وجودة الأداء الحكومي، وبالتالي الحفاظ على المصالح العليا للدولة داخلية كانت أو خارجية.
لقد شاركت على مدى السنوات القليلة الماضية ووقفت كذلك على مرحلة حاسمة من تاريخ الأردن الحديث وأرى من الواجب أن نعمق حولها موقفا وطنيا داعما لمسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، وكل المراحل التي سنقطعها نحو بناء الأردن الجديد، خاصة في ظل الأوضاع الخطيرة التي تعيشها المنطقة، والتي يصعب عقد أي توقعات للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه إذا ما توسع الصراع ليشمل الإقليم كله!
كانت الإشارت التي بعثها جلالة الملك للجميع كافية لتوضيح معادلة أو ثنائية التحصين الداخلي من خلال المضي قدما في مسيرتنا الديمقراطية وتحقيق التنمية المستدامة من خلال رؤية اقتصادية طموحة، وتطوير إداري حقيقي وفاعل من ناحية، وبناء موقف قوي تجاه الوضع الإقليمي يضمن أمن وسلامة واستقرار الأردن، ويحشد تحالفا دوليا لوقف هذه الحرب المدمرة، ويشارك في إرسال المساعدات بشكل خاص إلى أهلنا المنكوبين في قطاع غزة.
تبدو تلك المعادلة غير مفهومة بما فيه الكفاية لبعض المتابعين عن بعد، وهي في الحقيقة معادلة صعبة جدا لولا أن جلالة الملك الذي يدير ويتابع بنفسه عملية تعميق قواعد القوة والثبات الداخلي، وعملية إدارة موقف ودور ومكانة الأردن في التوازنات الإقليمية والدولية، يتعامل مع هذا الوضع الاستثنائي بعقلية القائد الإستراتيجي الذي يستطيع رؤية الأحداث قبل وقوعها، ويعرف كيف يتخذ القرارات المناسبة للتعامل مع احتمالات محسوبة سلفا.
أسابيع قليلة تفصلنا عن افتتاح جلالة الملك لمجلس النواب الجديد ليبدأ مجلس الأمة عمله المعتاد، وربما في ظروف غير معتادة تبعا للتطورات الإقليمية، وبالطبع نحن جميعا نتطلع نحو أداء يحاكي تلك المعادلة التي أشرت إليها، ولا شك أن مجلس الأعيان سيتحمل أمانة المسؤولية التي يتشاركها مع مجلس النواب، ولا بد أنه بتشكيلته الجديدة سيعمل على ترسيخ بنيان هذه المرحلة وتعميقها وتوظيفها كأحد عناصر قوة الأردن على مواجهة التحديات والأزمات والمخاطر المحيطة به من كل جانب.
بقي لي أن أبارك للذوات الكرام أعضاء مجلس الأعيان بالثقة الملكية السامية بهم، وأن أقول كلمة حق بالرئيس (الشيخ) دولة الأخ فيصل الفايز الذي يجمع كل من حوله ليكونوا أردنيين مخلصين صادقين قولا وعملا، يلتفون حول عرشهم الهاشمي، ويفخرون بانتمائهم الوطني ودفاعهم المخلص عن الأردن، وطنا ودولة وموقفا ورسالة!