جريدة الغد، الإثنين الموافق 2024/11/11
عاد الحديث من جديد عن الوضع الراهن في الشرق الأوسط على خلفية فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، وإلى حد بعيد تعتمد كثير من التحليلات على بعض الشعارات التي رفعها خلال حملته الانتخابية، وعلى ذكريات مواقفه خلال ولايته الأولى من النزاعات التي تعيشها المنطقة منذ عدة عقود، وفي مقدمتها ما عرف بصفقة القرن التي رفضتها الدول العربية، ولم تقبلها إسرائيل صراحة رغم ما سبقها من سخاء قدمه ترامب – كما لم يفعل أحد من قبله منذ عام العام 1967- حين اعترف بالقدس عاصمة لليهود، وبالمستوطنات وغور الأردن والجولان جزءا من (أرض إسرائيل)!
يعدّ ترامب من أشد الرؤساء الأميركيين الذين نتذكرهم تأييدا ومساندة لإسرائيل، وسبق أن كان وفيا لما وعد به اللوبي الصهيوني لدعم إسرائيل بجميع اشكال الدعم حتى ذلك الذي قد لا يخطر على بالها، من دون أن يقول (أنا صهيوني) مثلما قال الرئيس بايدن الذي قدم لإسرائيل كل ما يجعل منه شريكا في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، ومؤخرا على لبنان، ومع أننا لم نسمع برئيس أميركي يتردد في دعم إسرائيل إلا أنه ما من أحد منهم لم يأخذ في الاعتبار مصالح بلاده في المحيط الأوسع المعروف بالشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، بحث تكون إسرائيل جزءا من تلك المصالح وليس نقيضا لها تحت أي ظرف من الظروف.
لقد تعهد الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية بوقف الحرب في المنطقة، وفي أوكرانيا وفي كل مكان من منطلق أنه يفضل العمل من اجل السلام العالمي بدل تأجيج الحروب، وعلى حد رأي أحد الصحفيين المقيمين في غزة وهو يتحدث لإحدى الإذاعات قبل ظهور نتائج الانتخابات « لقد تعهد كل من ترامب وهاريس بوقف هذه الحرب، ونحن لايهمنا من سيفوز، وإنما من يفي بوعده ويوقف هذه الإبادة التي نتعرض لها)، ولكن بعض من نشهد لهم بأنهم خبراء في الشأن الأميركي يتوقعون بأن يعاود ترامب طرح (صفقة القرن) من جديد، وبعضهم يرى أنها ستكون في نهاية المطاف على حساب الأردن!
أنا لست متخصصا بالشأن الأميركي، لكنني وعيت على مدى نصف قرن من الزمان على الأردن البلد الأكثر ثباتا في كل المتغيرات، وأنه رقم صعب في أي معادلة تتكون من تلقاء نفسها أو بفعل فاعل، ذلك أن حساب الأردن يصيب حسابات الجميع، فلا يصل الضرر إليه إلا بقدر استيعابه الطبيعي لنتائج الكوارث التي يجلبها الآخرون لأنفسهم، وأستغرب أحيانا أن بعض التحليلات تتحدث عن إسرائيل كما لو أنها ليست في ورطة لم تعهدها من قبل، وتتحدث عن أميركا وكأنها ما تزال على ما هي عليه منذ ولاية ترامب الأولى، أو أنه هو ما يزال ذلك الرئيس الذي لا يواجه أربعين تهمة جنائية في قضية الوثائق السرية وحدها، لتظهر عودته إلى البيت الأبيض وكأنها نذير شؤم على الأردن!
إذا كان الرئيس ترامب يريد كما يقول إحلال السلام في المنطقة فذلك يعني أنه يستجيب للنقاط التي سبق أن عرضها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين عليه في البيت الأبيض أو مرة، مثلما عرضها على قادة العالم كلهم، والتي تتلخص في أنه من دون منح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف فإن هذا الصراع لن ينتهي إلى يوم الدين، وأن أي التفاف أو « سقوط بالبراشوت» على تلك الحقوق تحت عناوين مثل الديانة الإبراهمية، والمشروعات الاقتصادية الكبرى لن تلبي شروط السلام، وما هي إلا مضيعة للوقت.
ماذا يريد ترامب؟ مجرد سؤال يمكننا أن نطرحه على أنفسنا، ويمكن أن نطرحه على الرئيس الجديد عندما يضع قدمه في البيت الأبيض، ولكن هل يمكن أن نحصل على إجابة واضحة من رئيس بحاجة إلى وقت طويل حتى يلتقط أنفاسه قبل أن يعرف هو ماذا يريد؟!