جريدة الغد، الإثنين الموافق 2024/11/18
اليوم سنتابع باهتمام كبير خطبة العرش السامي التي يلقيها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة العشرين، وقد تحققت مرحلة مهمة وأساسية من رؤية جلالته لعملية التحديث السياسي التي يعتبر مجلس النواب الجديد واحدا من نتائجها العملية، وفقا لقانوني الانتخاب والأحزاب الأخيرين، وانسجاما مع خريطة الطريق التي رسمها جلالته للمسيرة الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات من خلال سبع أوراق نقاشية أوضحت العناوين والمضامين والمراحل، وحددت المسؤوليات الواجبة على السلطات الثلاث وعلى المؤسسات العامة والخاصة، وعلى المجتمع أيضا.
بالإمكان توقُّع بعض محاور خطبة العرش نظرا لطبيعة التطورات التي تشهدها المنطقة، والتحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها الأردن، ومن الطبيعي أن يؤكد جلالة الملك العناصر التي تتشكل منها قوة الأردن وقدرته على مواصلة مسيرته السياسية والاقتصادية والإدارية، والحفاظ على مصالحه العليا في نطاق التوازنات الإقليمية والدولية، والتطورات المحتملة كنتيجة لمواصلة إسرائيل عدوانها على غزة والضفة الغربية والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وعلى عدونها على لبنان، وكذلك الجهود التي يبذلها جلالته من أجل وقف هذه الحرب اللعينة، وحشد موقف دولي لمساعدة منكوبيها، وايجاد أفق جديد لإحلال السلام في المنطقة.
واقع جديد يواجهه بلدنا، ومجلس نيابي جديد يتحمل لأول مرة مسؤولية ترسيخ وتجذير هذه المرحلة الحساسة جدا من عملية التحديث السياسي، إلى جانب وظيفته التشريعية والرقابية والدستورية، وقد تتضمن الخطبة إشارات واضحة حول هذا المحور المهم من محاور العملية السياسية التي تقوم على ثلاث مراحل على الأقل من أجل الوصول إلى مفهوم الحكومات البرلمانية، وهذه المسافة الزمنية مقدرة بعشر سنوات، لكن تلك المواعيد المقررة لبلوغ الغاية الأسمى من تلك العملية تعتمد حتما على نوعية أداء المجلس من خلال الأحزاب البرامجية والكتل البرلمانية، ومدى إتقان الممارسة الحزبية عبر الأداء البرلماني!
هناك ثلاثة احتمالات يتوقعها الباحثون في الشؤون البرلمانية بالنسبة للمشهد النيابي الجديد فيما يتعلق بنجاح هذه العملية السياسية، فإما الانتقال الناجح نحو المرحلة الثانية من عملية التحديث، وإما نجاح محدود قد يستدعي بعض التعديلات على القانون الحالي، وإما عدم نجاح العملية من خلال سوء الممارسة مما يؤدي إلى تغيير القانون، والعودة خطوة إلى الوراء لا سمح الله.
تتحمل الأحزاب مسؤولية أعلى بكثير من تلك التي تتحملها الكتل النيابية لأنها هي التي تقع تحت اختبار حقيقي، خاصة إذا خرجت عن مفهوم العمل البرامجي والعمل بما يشبه حكومة الظل، أو إذا تبنى بعضها خطابا أيديولوجيا مرتبطا بقضايا المنطقة والصراعات القائمة فيها، وفي جميع الأحوال تظل هذه القضية مسؤولية مشتركة بين الجميع أحزابا ومستقلين، لأن المسألة تتجاوز العملية الديمقراطية كغاية في حد ذاتها إلى وسيلة نحافظ بها على أمن واستقرار ونماء الأردن عن طريق التوافق والتضامن الوطني بشأن المصالح الوطنية، وبشأن مصالح الأردن العربية والإقليمية والدولية.
المطلوب منا جميعا هو فهم الواقع الذي نعيشه، وذلك الذي يحيط بنا، والأهم من هذا كله هو الثقة المطلقة بقائدنا الذي سبقنا جميعا في استطلاع تلك المعادلة المعقدة، وشكل ميزان القوة في مواصلة المسيرة نحو التنمية الشاملة، وفي المحافظة على دور الأردن ومكانته وتأثيره، وليس بإمكاننا أبدا أن نتصور حدوث تراجع من أي نوع في هذه العملية، ونحن أميل إلى الثقة بقدرة أعضاء مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان على صياغة مشهد برلماني يحاكي بقوة واقتدار كل هذه التحديات الراهنة، ويعزز الثقة بأننا نتقدم بخطوات واثقة إلى الأمام، وأملنا فيهم كبير.