جريدة الغد، الاثنين الموافق 2024/01/27
سواء تعلق الأمر بمستقبل القضية الفلسطينية أو مستقبل سورية والعراق ولبنان، أو المنطقة كلها فالأردن ليس بإمكانه إلا أن يحسب مواقفه بدقة، ومن دون هامش ولو صغير للخطأ، فهو يعرف جيداً أين يقف، ويعرف كذلك أين يقف الآخرون، وإن كان غالباً لا يخلط بين المسببات والنتائج والتوقعات، لأنه لا يستطيع أو لا يريد أن ينأى بنفسه لا عن قضايا أمته ولا عن مسؤولياته الإقليمية والدولية.
كل التطورات التي وقعت على مدى عام وثلاثة أشهر، وامتدت بأسبابها المتعددة إلى لبنان وسورية والعراق واليمن وايران، وكذلك إلى القدس والضفة الغربية تفسر معنى توسع الحرب لتشمل المنطقة بأكملها، وذلك ما حدث بالفعل، ولكن في حدود أمكن السيطرة عليها، وذلك كله لم يكن خارج التوقعات، وقد واكبت السياسة الخارجية الأردنية بنشاط منقطع النظير أدق التفاصيل من أجل كبح جماح تلك الحرب، وحشد موقف دولي إنساني إلى جانب سكان قطاع غزة الذين تعرضوا بالفعل لحرب إبادة جماعية، أدانها العالم بأسره، وربما ترتب عليها أثمان سيدفعها الذين ارتكبوها، مستهزئين بالمواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية.
هناك من لا يريد أن يفرق بين أن يكون الأردن في دائرة الحدث، وبين أن يكون في دائرة الخطر، ويجري التركيز مؤخراً لدى كثيرين على مساحة التعليق والتحليل، والتشويش أيضاً على أن الأردن مهدد كما لو أنه أحد أطراف تلك الحرب، وهو في الحقيقة ليس طرفاً فيها لكنه بحكم التزامه بقضية الشعب الفلسطيني كقضية وطنية بالنسبة له بادر على الفور بتحمل مسؤولياته تجاه مأساة جديدة ومؤلمة جدا وقعت على أشقائه، من خلال التحرك السياسي والدبلوماسي على نطاق واسع، وإلى قيادة إغاثة عالمية كان لها الأثر في إنقاذ حياة الجوعى والعطشى والمصابين والمرضى، أما أطراف الحرب فعناوينهم واضحة للجميع، وها هم يحصون مظاهر النصر أو الهزيمة كل من وجهة نظره، والغاية التي يقاتل من أجلها!
مواقف الأردن محسوبة بدقة، من خلال القدرة على قراءة وتحليل خلفيات الواقع وفهمها، واستشراف المستقبل ومآلاته والاستعداد لها، وبهذه الطريقة يشكل قوته في التصدي للتحديات، ويرسم خريطة طريقه كي يحافظ على نسق تقدمه نحو مشروعه الوطني، وعلى دوره ومكانته وتدخله الإيجابي لحل النزاعات والصراعات المحيطة به، ما أمكن.