جريدة الغد، الاثنين الموافق 2024/02/03
ما يجري الحديث عنه من ضغوط يمارسها الرئيس الأميركي ترامب على بلدنا وعلى مصر الشقيقة لكي نقبل بتهجير أعداد كبيرة من أهل غزة يمكن النظر إليه بالفعل على أنها نوع من أنواع الضغط الحقيقي والمباشر، خاصة وأنها ارتبطت بتجميد المعونات الأميركية للأردن، وبتلميحات لا تخلو من التهديد في لهجة ترامب عندما يدلي بتصريحات عن تلك الأفكار التي يريد من خلالها تأكيد دعمه المطلق لإسرائيل.
الضغط هنا لا يتعلق فقط بمقترح تهجير فلسطينيين خارج وطنهم إلى أماكن عديدة من بينها الأردن، ولكنه يتعلق كذلك بمستقبل المنطقة كلها التي يريد الرئيس ترامب أن تكون فيها اليد العليا لإسرائيل، والمشكلة الحقيقية تكمن في السؤال أي إسرائيل، تلك التي تقود شرق أوسط جديد تحكمه التحالفات الاقتصادية، أم تلك التي تريد إقامة مملكة إسرائيل من النيل إلى الفرات، وتقيم هيكل سليمان محل المسجد الأقصى المبارك، حتى يأتي المسيح المخلص؟!
من الطبيعي أن يقلق الأردن من طروحات من هذا النوع، ولكن كلما كانت التوجهات الأميركية منساقة نحو السقوط الكلي في المجهول شعر الأردن أن إمكانية الرفض أقوى وأصلب، وأن ذلك العبث بمصير المنطقة وشعوبها هو الذي يضع أصحابه في مآزق لا حد لها لأنها لا تنتمي إلى جنس الأفكار التي يمكن أن تفتح آفاقاً للسلام تقوم على الحق والعدل وبناء المستقبل المشترك، بل إلى مزيد من التعقيد، وخلق نزاعات وصراعات تحت عناوين إضافية أو جديدة!
الرفض من جانبنا يحتاج إلى الخبرة، ولدينا في الأردن رصيد كبير من الصمود في وجه التحديات التي رافقت قيام الدولة منذ يومها الأول، والرفض يحتاج كذلك إلى التعمق في فهم التوازنات الإقليمية والدولية، وإلى الاستخدام الأمثل لعلاقات الاحترام التي يظهرها العالم كله لجلالة مليكنا عبدالله الثاني، الذي يتبنى موقف (السلام للجميع)، ويحذر من أن عنجهية القوة ليست وسيلة مضمونة لفرض الاستسلام والرضوخ، وأنها غالباً ما تنقلب على أصحابها مثلما علمتنا التجارب عبر التاريخ القديم والحديث.
الرفض مقابل الضغط ليس مجرد موقف سياسي يمكن أن تمارسه الدولة بشكل فاعل ومؤثر ومفيد، إنه في الحقيقة موقف وطني يبنى على الوعي، ويستند إلى قوة الإرادة في الدفاع عن مصالح الأردن، وعن القضايا التي يؤمن بها ويعتبرها جزءاً لا يتجزأ من القيم والمبادئ التي لا يتنازل عنها، ومن هذه الزاوية بإمكاننا أن نرى الإدارة الأميركية وهي تتراجع إلى الخلف بضغوطاتها لأنها ليست واقعية، وليست موجهة نحو من يتوجب الضغط عليه لكي يتوقف عن جرائمه وينهي احتلاله البغيض!