جريدة الغد، الاثنين الموافق 2024/03/03
الشيء المهم هنا أن تلك التطورات لم تعطل مسيرة التحديث السياسي، ولا الاقتصادي، ولا الإداري، بل إنها وضعت وعينا السياسي على ضوء تلك التجربة المتقدمة أمام اختبار حقيقي عندما تطلب الأمر إظهار وحدتنا وانتمائنا الوطني، والتفافنا حول قائدنا جلالة الملك عبدالله الثاني من أجل حماية المصالح العليا للدولة الأردنية من ناحية، وأخذ زمام المبادرة وممارسة دور ومكانة الأردن في التوازنات الإقليمية والدولية من ناحية ثانية.
ما نتفق عليه جميعنا أننا وحدنا موقفنا وراء قائدنا الذي حمل مسؤولية ما جرى للمحتل الإسرائيلي الذي يرفض حل الدولتين، ويطمع في ضم جميع الأراضي المحتلة منذ العام 1967، مثلما حمل المجتمع الدولي مسؤولية التخلي عن واجبه في فرض إرادة الشرعية الدولية بموجب قرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، وكذلك وقفنا متحدين خلف سعي مليكنا لمساعدة منكوبي حرب الإبادة على قطاع غزة، وتشكيل حشد دولي لتقديم المساعدات العاجلة، والوصول إلى وقف إطلاق النار بصورة تامة ونهائية.
قد يظن البعض أن تلك الأحداث قد طغت على المشهد السياسي نتيجة اهتمامات الرأي العام بتلك التطورات الصارخة في همجيتها وما خلفته من مآس على نطاق واسع، ولكنني أظن أنه لا يمكن إغفال الدور الذي قامت به الأحزاب الوطنية البرامجية الأردنية للحفاظ على نقاء موقف الدولة وعدم السماح بأي نوع من أنواع العبث أو المزايدة على ذلك الموقف الذي يمتد الآن بكل صلابة وحسم لرفض مشروع التهجير الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي جاءه الجواب صارماً من جلالة الملك حين أكد أنه لن يتراجع عن موقفه الذي تمسك به خمسة وعشرين عاما (كلا للتهجير، كلا للتوطين، كلا للوطن البديل).
من أجل أن ينطلق قطار التحديث نحو محطته التالية في الوقت المناسب ومن دون أي عقبات لا بد أن تجري الأحزاب الوطنية البرامجية مراجعة أمينة لموقعها في حيوية الدولة من أجل اكتساب القوة الدافعة لتلك الحيوية، ومن أجل تطوير أدواتها السياسية لتكون في مستوى التحديات الراهنة في ضوء النتائج التي أسفرت عنها الحرب متعددة الأطراف على مدى خمسة عشر شهراً، ففي مثل هذه الظروف يكمن الاختبار الأهم في مستوى الوعي والفعل الوطني لأنه السند الحقيقي لقائد المسيرة الذي قال بشكل واضح أنه يستمد موقفه الشجاع والقوي من شعب الأردن وجيشه وأجهزته الأمنية، ومن ذلك الإيمان القوي بالحق الذي ندافع عنه، والوطن الذي نذود عنه.
أشكال تلك المراجعة كثيرة، ولكن أكثرها حاجة هذه الأيام تتعلق بتقييم علاقة التنسيق بين الحزب وكتلته في البرلمان لتعزيز مبدأ النقاش على أساس المنهج البرامجي الذي يعبر عن إستراتيجية الحزب التي تشمل كل القطاعات، وتقدم إسهام الحزب في جميع شؤون الدولة وقضاياها، وتعبر عن تطلعات مواطنيها نحو حاضرهم ومستقبل أجيالهم.