جريدة الدستور بتاريخ 20 كانون الأول 2011
تُعد حاكميّة الجامعات من المفاهيم الحديثة التي حظيت باهتمامات كبيرة في السنوات الأخيرة في الجامعات عبر استخدامها في تحقيق الجودة الشاملة والتميّز في الأداء، وهو المصدر أو المرجعيّة التي يُستند إليها في حُكم الجامعة، وتُعرّف الحاكميّة بأنها “مجموعة من القوانين والأنظمة والتعليمات التي تهدف إلى تحقيق الجودة الشاملة والتميّز في الأداء عن طريق اختيار الاستراتيجيات المناسبة والفعّالة لتحقيق غايات الجامعة وأهدافها الاستراتيجية”، وهي بذلك تعني النُظم التي تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثّر في الأداء، كما تشمل مقوّمات تقوية الجامعة على المدى البعيد وتحديد المسؤول والمسؤوليّة.
تُسهم الجامعات في معظم دول العالم في التنمية من مختلف جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والإداريّة والسياسية والصحية وغيرها، وهي جزء مهم وحيوي من مجتمعها المحلي.
ويجتهد قادة الجامعات في صياغة رؤية الجامعة ورسالتها التي تحدد لاحقاً الأهداف العليا للجامعة. ومهما اختلفت رؤى الجامعات ورسائلها، إلا أنها تُجمع بشكل أو بآخر على هدفين رئيسين أساسيين، الأول: تعليم متميّز يتمثّل في الدفع بأفواج الخريّجين المؤهّلين لملء الشواغر في المؤسسات المختلفة للدولة والمجتمع بما يتناسب واحتياجاتها. والثاني: يُعبّر عن خدمة المجتمع أو ما يُسمّى بتحمّل الجامعة لمسؤولياتها المجتمعيّة.
إنّ النهوض بالتعليم الجامعي يتطلّب منظومة متكاملة للحاكميّة الجامعيّة، تشمل جميع قيادات اتخاذ القرارات ومصادره. لذا، تُعد حاكميّة الجامعات مفتاح بلوغ التعليم العالي لأعلى المستويات قيمة ومضموناً. ويقتضي النهوض بوظائف الجامعة (التدريس، البحث العلمي، خدمة المجتمع) تطوّر الحاكميّة والأداء المؤسسي فيها بما يضمن الشفافيّة، والمساءلة، والمشاركة المؤسّسية لجميع الأطراف، وفق المرجعيّة التشريعيّة الناظمة للعمل، بحيث تسير القرارات الأكاديميّة الجامعيّة حسب الأصول العلميّة في مجالس حاكميّة الجامعة، كما أن ما تُعانيه بعض الجامعات من ضعف في الحاكميّة بسبب تعدّد الجهات الرقابيّة وجهات التدخّل، والعلاقات الشخصيّة يؤدي إلى عدم احترام توصيات مجالس الحوكمة فيها وقراراتها، وبذلك تضيع هذه الجامعات بين المزاجيّة وسرعة التغيّرات، وينعدم العمل المؤسّسي والأصول الأكاديميّة فيها.
وتأسيساً على ما سبق، نجد أن الجامعات العربيّة تحتاج إلى إدراك أهميّة تبنّيها معايير الحاكميّة، والغرض الذي من أجله تم إنشاء هذه الجامعات ودورها في عمليّة التنمية والمساهمة في التحوّل إلى الاقتصاد المعرفي وعالم المعلوماتيّة، وعلى وزارات التعليم العالي والبحث العلمي العربيّة وضع وثيقة في شكل قواعد ملزمة أو استرشادية تستلهم منها الجامعات مسؤولياتها ذات العلاقة بالحاكمية. إن مثل هذه الوثيقة ستشكّل خريطة طريق للجامعات، وعلى الجامعات القيام بعمليّة إصلاح لنظامها الإداري وتبنّي هياكل تنظيميّة أكثر كفاءة وأكثر عصريّة.
وإنّ إرساء قواعد الحاكميّة في إدارة شؤون الجامعات يحتاج إلى إدارة التغيير أكثر من التغيير نفسه، لأن كثيراً من المتطلّبات ليست بحاجة إلى تعديل التشريعات القانونيّة، وإنّما إلى تفعيل ما هو موجود وتطبيقها بشفافية ضمن سياسة تعظيم الإنجاز، وتوسيع أبواب المساءلة ومراقبة الأداء في الإصلاح الحقيقي للتعليم الجامعي وتطويره بمنهج إدارة حكيمة تكون الواقعيّة أساس مقوماته، والرؤية المستقبليّة من أهم مستلزماته. وإنّ تبنّي نظام الحاكميّة في الجامعات يتطلّب وجود تعدّدية وشمولية واضحة في أنماط الحاكميّة، إضافة إلى المشاركة الواسعة لأصحاب المصالح عند مستوى القرارات الاستراتيجية وتخصيص الموارد، ووجود آليات رقابية بين أصحاب المصالح تمكّنهم من التعامل مع الإدارة التنفيذيّة وتوجيه سلوكهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر لابد من وجود رقابة داخليّة مشكّلة من مجلس الحاكميّة وتقدّم تقريرها عن مدى الالتزام بالأنظمة والتعليمات، ومدى كفاية وكفاءة نظام الرقابة الداخلي بالجامعة.
yacoub@meuco.jo