جريدة الدستور بتاريخ 12 كانون الأول 2011
التفكير سلسلة من العمليات المعقدة التي تجري في الدماغ البشري بسرعة مذهلة؛ مهمتها تبسيط الأمور التي تشغل الذهن، وتحليلها إلى عناصر أولية قابلة للربط والمقارنة والعرض والتمثيل والتصوير، ومن ثَمَّ الخروج بتصور أو نظرية تشكل قاعدة ثابتة للتطبيق العملي. والتفكير الحر عائقٌ في وجه التخطيط لأنه يرهق الذهن بكثرة المعلومات التي لا لزوم لها في موضوع يجري التخطيط له بشكل محدد، ومن هنا نشأ ما يسمى التفكير الاستراتيجي الذي يُعرَّف بأنه «الأسلوب الذي يُمكِّن المسؤولين من توجيه المؤسسة بدايةً من الانتقال من العمليات الإدارية والأنشطة الإجرائية ومواجهة الطوارئ والأزمات حتى تكوين رؤية مختلفة للعوامل الداخلية والخارجية المتغيّرة القادرة على خدمة التغيير المطلوب في البيئة المحيطة، بما يضمن أفضل استخدام ممكن لإمكانيات التنظيم انطلاقاً من منظور جديد مركز بصورة أساسية على المستقبل مع عدم إهمال الماضي».
أمّا التخطيط الاستراتيجي فهو «دراسة الواقع بكل أبعاده ومظاهره، من قوة وضعف، وتحديات وفرص، ورسم رؤى وأهداف مستقبلية بناءً على ذلك، ومنْ ثم وضع برامج عملية تساعد على الانتقال إلى المستقبل المنشود»، «في حين ينطلق التفكير الاستراتيجي من التأمل العميق لاستشراف المستقبل وتحديد الاتجاه الذي يقود المؤسسة للاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات والمتغيرات المستقبلية»، ويقود التفكير الاستراتيجي المؤسسة لاستنباط الاستراتيجية ورسم الخطوات المناسبة التي تحول رؤيتها إلى واقع محققاً وضعاً أفضل يؤدي إلى رفع كفاءتها الداخلية والخارجية.
وبذلك يُعد التفكير الاستراتيجي خطوة سابقة من الخطوات التي تخدم التخطيط الاستراتيجي.
إنّ ما يميّز التفكير الاستراتيجي عن غيره من أشكال التفكير الأخرى أنه تفكير:
كُليّ مُنَظّم باعتماده الرؤية الشمولية للعالم المحيط.
افتراقي أو تباعدي كونه يعتمد الإبداع والابتكار في البحث عن أفكار جديدة، أو يكتشف تطبيقات مستحدثة لمعرفة سابقة.
تركيبي وبنائي يعتمد الإدراك والاستبصار والحدس لاستحضار الصور البعيدة ورسم ملامح المستقبل قبل وقوعه.
تطويري؛ فهو يبدأ من المستقبل، ويستمد منه صورة الحاضر، وينطلق من الرؤية الخارجية ليتعامل من خلالها مع البيئة الداخلية، فهو إذن تفكير استباقي متعدد الرؤى والزوايا.
تفاؤلي إنساني يؤمن بقدرات الإنسان وطاقاته الفعلية على اختراق عالم المجهول، والتنبؤ باحتمالات ما سيقع، ويحث على وجوب توظيف المعرفة المتاحة، والمشاركة في صناعة المستقبل.
تنافسي يقر أنصاره بواقعية الصراع بين الأضداد، ويؤمنون بأن الغلبة لأصحاب العقول وذوي البصيرة ممن يسبقون الآخرين في اكتشاف المعرفة الجديدة.
في حين يتميّز الأفراد ذوو التفكير الاستراتيجي بأن لديهم القدرة على بناء الغايات، والبصيرة النافذة والفراسة في وزن الأمور، وقادرون على الاستشعار البيئي، ولديهم القدرة على تحليل البيانات والمعلومات وتفسيرها، ويمتلكون مهارة الاختيار الاستراتيجي، وتحديد الموارد والإمكانات المُتاحة واستخدامها بكفاءة، ولديهم الكفاءة والقدرة على التجاوب الاجتماعي بين المؤسّسة وبيئتها المحيطة، ومواكبة عولمة الفكر الإداري، واتخاذ القرارات الاستراتيجية.
yacoub@meuco.jo