الرأي الثلاثاء 5-8-2014
في الظاهر لاشيء تغير، الضارب هو الضارب، والمضروب هو المضروب، جولة وراء جولة كل عام أو عامين، من القصف الجوي على غزة، يتبعه غزو بري، ودائما هنالك أسباب تقدمها إسرائيل لنفسها وللعالم، ومبررات لسقوط آلاف الشهداء والجرحى، ومعظمهم مدنيون يتحولون إلى مجرد أرقام، وصور ومشاهد تلفزيونية فظيعة، تثير حفيظة منظمات حقوق الإنسان دون أن تفعل شيئا، وشفقة الهيئات الإنسانية والخيرية، التي تبعث المعونات الطبية والغذائية وتستحث التبرعات العينية والمادية.
أما الاتصالات السياسية فهي الجزء المهم في هذه المعادلة، لأنها هي التي تؤدي إلى وقف القتال، بناء على مبادرة ما، يكون المحرك الرئيسي لها هو الحجم الهائل من الضحايا والدمار، حيث أنشودة الوضع الإنساني تستجلب الأغنيات والقصائد وبيانات الشجب والتنديد، فالقتال لم يحسم ولا لمرة واحدة بناء على معطيات عسكرية !
ماذا وراء غزة هذه المرة ؟ والقصد من السؤال ليس التلميح إلى مؤامرة، وإنما التفكير في الظروف التي تعيشها المنطقة، حيث الجغرافيا السياسية تتغير بصورة عشوائية، والمقارنة ليست صعبة بين الحدود كما هي على « الأطلس « وبينها على أرض الواقع، وهنا نحن نشير إلى دول رئيسة في هذه المنطقة من العالم، نشير إلى العراق وسوريا ومصر ولبنان، وكلها دول كانت ولا تزال في صميم الصراع العربي الإسرائيلي، رغم كل التحولات والتطورات التي تعيشها حاليا.
في هذه المرة لا يمكن النظر إلى الحرب بتوقيتها وشكلها ومضمونها بأنها حلقة إضافية من حلقات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا أرى أي وجاهة في الآراء التي تتحدث عن التواطؤ، أوالمؤامرة، ولكنني أرى أن بعض الذين يتصرفون دائما على أنهم لا يخطئون الحسابات، قد ارتكبوا خطأ فادحا من أول يوم، فكيف يتصور « من يتصور» أن تفتيت البلاد العربية، وقتل شعوبها على هذا النحو من الإجرام، من شأنه أن يحفظ أمن إسرائيل ومصالح الغرب ؟ !
العالم الغربي كان حاضرا بصورة مباشرة في كل ما جرى ويجري على خارطة ما سمي بالربيع العربي، وإذا كان الاعتقاد بأن الوقت كان مناسبا لضرب غزة بهذه القسوة، فالحسابات لم تكن دقيقة، فقد أدى ذلك إلى جعل غزة جزءا من الحالة الأكبر، ولم يعد ممكنا للعامل الإنساني أن يكون عاملا مهما هذه المرة، فالطرف الأكثر خسارة من الناحية البشرية والمادية، يرفض القبول بوقف إطلاق النار وفقا لشروط المعتدي، وكان هذه المرة أكثر قدرة على ايقاع الخسائر وضرب مناطق استراتيجية في اسرائيل !
الجانب الإسرائيلي يفهم حتما معنى ذلك، حتى لو لم يعترف بأن حساباته كانت غير صحيحة هذه المرة، الآن اللعبة كبرت، واللاعبون يتحركون في عدة اتجاهات دفعة واحدة، فجزء منها تصارع بين قوى دولية وإقليمية، وآخر إعادة تشكيل للخارطة الجيوسياسية، وهي عملية تتساوى فيها احتمالات الحرب والسلام في هذه المنطقة التي أصبحت فيها إسرائيل أشبه بأي من دولها، مهما قيل عن تميزها من حيث القوة العسكرية والمساندة الخارجية، فمعايير القوة تغيرت، وشروط اللعبة تغيرت، وسيكون وراء غزة ما وراءها.
yacoub@meuco.jo