الرأي الثلاثاء 16-9-2014
يعرف أخواننا مسيحيو الموصل، أن ما أصابهم ليس لأنهم مسيحيون، بل لأنهم عراقيون، وهم أفضل حالا من أن يكونوا سنيين فيقضون في جامع عند صلاة الفجر على يد انتحاري، أو شعيين يتحولون إلى أشلاء خلال احتفال ديني في تفجير مماثل، فالعراق كله دم ودمار وقتل تقشعر له الأبدان.
الأغلبية الساحقة من ضحايا هذا الإرهاب الممنهج هم عرب مسلمون، وقد لا يخفى على أتباع المسيح عليه السلام مغزى التزامن بين مأساتهم ومأساة أهالي غزة الذين تعرضوا لتصفية عرقية راح ضحيتها ما يزيد عن عشرة آلاف شهيد وجريح، ودمار لم يسبق له مثيل !
هل ندخل في حوار ديني حول براءة الإسلام مما يرتكب من آثام؟ فما هي فائدة ذلك إلا أن يكون هنالك من يريد أن يفهم الأمر على هذا النحو؟ مع أن الحقيقة تدلنا على أن ما يجري تثبيته في الأذهان هو أن ثمة « إسلاماً « لا بد من وضع حد لإرهابه وجرائمه. ولا توجد وسيلة للتفريق بين حقيقة الدين وحقيقة هؤلاء، فالصورة مشوهة أصلا قبل جريمة الحادي عشر من أيلول الشهيرة وبعدها.
ومع ذلك فقد بات من الضروري التحدث مع اخواننا المسيحيين أينما كانوا ليس عن حقيقة الدين الإسلامي فهو يسمو على ذلك في جوهره، ولكن من الضروري التحدث عن حقيقة موقفنا نحن المسلمين الذين نتساوى معهم في الشقاء من الإرهاب الذي يدمر بلادنا العربية، الواحدة تلو الأخرى.
وإني أقترح اعتماد « العهدة المحمدية « التي وصى بها سيدنا محمد العربي الهاشمي المسلمين بالمسيحيين خيراً وما يرافقها من أحاديث نبوية شريفة تحرم دم المسيحيين وتجعلهم في عهدة وحماية وذمة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسها قوله الكريم» من آذى ذمياً فقد آذاني»، وثيقة نعتمدها في حوار غايته المسلمون والمسيحيون على حد سواء، فهي كتاب من نبينا الكريم إلى الناس كافة، أي لأهل ملته ولجميع من ينتحل دين النصرانية في مشارق الأرض ومغاربها، قريبها وبعيدها، فصيحها وعجيمها، معروفها ومجهولها، فمن نكث العهد الذي في الكتاب وخالفه إلى غيره، وتعدى ما أمره « كان لعهد الله ناكثا، ولميثاقه ناقضا، وبدينه مستهزئا، ولللعنة مستوجبا، سلطانا كان، أو غيره من المسلمين المؤمنين «.
وفي تلك العهدة النبوية المحفوظة صورة منها بمكتبة دير سانت كاترين بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عند فتحه لمصر 1517م وحملها إلى الأستانة؛ وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها للتركية وهى العهدة التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم للنصارى؛ طبقاً لتعاليم الإسلام السمحة وفيها أمان كامل للمسيحيين على أموالهم ومقدساتهم وأملاكهم وحريتهم الشخصية وحرية العقيدة وأمر للمسلمين كافة بعدم التعدي على المقدسات المسيحية وحمايتها والمعاونة فى ترميمها والمعاملة الحسنة الطيبة للمسيحيين ودفع الأذى عنهم وحمايتهم واعتبر هذا سنة عن الرسول الكريم ومن يخالف ذلك تستوجب عليه اللعنة.
لست بصدد اقتراح ذلك على المنتديات المعنية بالحوارات بين الديانات والثقافات والحضارات، بل إني أدعو كل مسلم وكل مسيحي كي يطلع عليها، بالإضافة إلى العهدة العمرية، وعلى كل ما يظهر الدين على حقيقته، والإرهابيين على حقيقتهم، لنكون نحن أهل العهدة، ويكونوا هم أهل اللعنة.
yacoub@meuco.jo