الرأي الثلاثاء 14-7-2014
لا بد من أسباب لنجاح الدول، وأسباب لفشلها، وحين نذكر أسباب النجاح يكون عكسها هو أسباب الفشل، والمؤشر الذي يمكن أن نقيس به الحالة العربية، هو مثلث العلاقة بين الأنظمة والشعوب ومنظومة القيم، التي تتشكل منها عناصر القوة الداخلية لأي بلد. وهذا المثلث هو الذي يقوم عليه الاختبار الحقيقي عندما تتعرض الدول للمخاطر الخارجية أو الأزمات اوالمشكلات الداخلية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وهنا يظهر الفرق بين الشعوب «المتماسكة» أي التي تتحد وتتفاعل مع نظامها القائم عن قناعة وايمان، والشعوب « الممسوكة « التي يحكمها نظامها رغما عنها مستخدما أدواته في القمع والترهيب! من حقنا أن نقيس عناصر قوتنا في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة التي تمر بها منطقتنا المثقلة بالقتل والدمار والتمزيق والتشرد، فنحن شعب منسجم متصالح متحالف مع نظامه الهاشمي، تحكمنا قيم ومثل عليا، ومبادئ دينية وفكرية وأخلاقية، ودولتنا قائمة على سلطات وتشريعات وقوانين وأنظمة. ذلك هو أحد أسرار صمود بلدنا في وجه ما يعرف بالربيع العربي، الذي أدى إلى إنفلات شعوب من أنظمة تغولت عليها زمنا طويلا. إن البحث عن عناصر القوة يقودنا إلى البحث عن عناصر الضعف حتما، من أجل أن نعزز قدراتنا على تذليل العقبات، وتجاوز التحديات، والتصدي للأزمات، وخاصة تلك التي تفرضها علينا التطورات الإقليمية والدولية، ومن بين أحد أهم الأولويات في هذه المرحلة هو استكمال مفهوم التماسك، من خلال عنصرين هامين: أولهما إعادة هندسة الإدارة العامة أو ما يسمى بالقطاع العام، لأنه يشكل اساس الدولة ذات المؤسسات القوية والناجحة، وهذا المصطلح الذي تعرفه شركات الأعمال، أصبح يطبق في كثير من الدول على المستوى الحكومي، وهو نوع من الإدارة لمفهوم التغيير، وإعادة التفكير، وإعادة تصميم النظام الوظيفي، يؤدي إلى تغيير جذري، يسمح بإطلاق القدرات الإدارية والأفكار والابتكارات الحديثة في الإدارة العامة. وثانيهما تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، انطلاقا من قانون الشراكة الذي أقره مجلس النواب مؤخرا، ذلك أن القطاع الخاص بمختلف ميادينه يشكل الجزء الأكبر من الحيوية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية، وهو مطالب أيضا بإعادة هندسة برامجه ومشروعاته وهيئاته ومؤسساته، حتى إذا التقى القطاعان على هذا المستوى من الرفعة والرقي، أمكن لبلدنا أن يتقدم بما يفوق كل التوقعات ! والأولوية هنا لا تعني الأهمية المطلقة، فثمة واجبات كثيرة تنتظرنا، لا تقل أهمية عن غيرها، من أهمها تعزيز الثقة في النفوس، وتحصين وحدتنا الوطنية، والإخلاص في القول والعمل، وليس هذا من باب التنظير، أو الترف الفكري، فقد سبقتنا إلى ذلك دول كثيرة، وفي ظروف أسوأ مما نواجه بكثير.
yacoub@meuco.jo