الرأي الثلاثاء 9-2-2015
الكل يجمع على أن حادثة «الطيار الشهيد معاذ الكساسبة» جريمة نكراء في طبيعتها وتفاصيلها وأبعادها، لكنها علاوة على ذلك حادثة ذات مغزى سيظل مرتبطاً من الناحية التاريخية بهذه الحقبة التي شهدت حروباً قائمة في سوريا والعراق، وتداخلاً إقليمياً ودولياً، وتفتيتاً للتراب الوطني وتهجيراً للسكان، وغياباً للسلطة الكاملة على ما يعرف بحدود الدولة المستقلة، وذلك نتيجة صراعات متعددة الأسباب والأطراف والاتجاهات.
والأغرب من ذلك هو نشوء حالة لم نعرفها من قبل، وهي توافق الأضداد، واختلاف الحلفاء، مما يفسر حالة الغموض والضبابية عند محاولة فهم الأحداث على أساس التفكير الاستراتيجي، وهو ما يؤدي في العادة إلى تساوي الموقف ونقيضه من حيث فرص الصواب والخطأ، وهو ما يسمى في علوم الفقه «الإجماع السكوتي» أي سكوت بعض من يفترض أن يكونوا جزءاً من «الإجماع الصريح»!
بعض الأحداث قد تبدو عادية في كل الحروب والصراعات كأن يقتل المئات في لحظة واحدة، وقد يكون لمقتل شخص واحد وفي ظروف معينة معنى صارخاً في تأثيره وردود الفعل عليه، مما يغير مجرى الأحداث ويؤدي إلى تفاعلات لم تكن في الحسبان!
صحيح أن إبننا الطيار الشهيد معاذ هو نسر من نسور سلاح الجو الملكي سبقه إلى شرف الاستشهاد كثيرون من أبناء جيشنا المصطفوي الأبي، وشجاعته وتضحيته بانتمائه للسلاح سابقة لأسره على يد تنظيم الدمار والإثم والعدوان والشر «داعش»، ولكن ما ارتكب بحقه من جريمة بشعة مقززة، يجعل «حادثة معاذ» علامة فارقة في التطورات والأحداث المتوقعة قريباً، فقوى الحق والخير أصبحت الآن في حالة اختبار حازم وحاسم أمام قوى الباطل والشر.
اليوم نحن مطالبون بتحويل الإجماع الصريح من موقف عاطفي مشروع وطبيعي، إلى حالة من الاستعداد لحسم الصراع بصورة نهائية، وإلا فإن الأخبار ستنقل لنا الأسوأ والأفدح من الجرائم والخسائر التي تستهدف الأمة في عروبتها وفي عقيدتها في آن معا، ولأن الأردن يدرك طبيعة ذلك الصراع، فإن دوره سيتحول حتما إلى حالة من الحشد الديني والقومي، دفاعاً عن الدين الحنيف وعن الأرض العربية، وعن دوره التاريخي ورسالته الهاشمية في الدفاع عن قضايا أمته العربية، وقد حان الوقت لهذا كله بإجماع صريح.
yacoub@meuco.jo